بتصرف يسير من تقرير عن المسلمين في كوريا
أعده د.أبو بكر كيم
ونشرته الندوة العالمية للشباب المسلم في ندوة حول الأقليات المسلمة في العالم عام 1420هـ/1999م
1 ـ الخلفية التاريخية للوجود الإسلامي في كوريا: الإسلام دين جديد في جمهورية كوريا ، ويعتقد أن المسلمين العرب جاءوا إلى كوريا لأول مرة في أثناء حكم أسرة شن ـ وا في القرن الثامن الميلادي ، وفيما يلي وصف تاريخي منقول من السجل عن تلك الزيارة المبكرة التي قام بها الزائرون من العرب لكوريا: » في سبتمبر من السنة السادسة عشرة لحكم الملك هيونج ـ جونج في خلافة جو ـ ريو في القرن العاشر الميلادي زار مائة عربي بلادنا وعرضوا ثقافتهم وحضارتهم على الكوريين «. » وكان التجار العرب لا ينطقون كلمة » جو ـ ريو « نطقاً صحيحاً ومن ثم أطلق على بلدنا اسم كوريا ، ولا يوجد أثر لانتشار الإسلام ، آنئذ «. » وقد شبت الحرب الكورية سنة 1950 م ، وطلبت الأمم المتحدة من الدول المحبة للسلام أن ترسل جنودها للدفاع عن كوريا الجنوبية ضد الهجوم العسكري الذي شنه الجنود الشيوعيون المتحدون من الشمال . وقد كانت تركيا وهي دولة مسلمة بين الدول التي استجابت لطلب الأمم المتحدة فأرسلت جنودها إلى كوريا الجنوبية . وقد استطاع الجنود الأتراك نشر الدين الإسلامي بين الكوريين فضلاً عن أدائهم واجبهم في الدفاع عن كوريا الجنوبية ، واعتنق الكوريون الإسلام لأول مرة عام 1955 م . ونتيجة لذلك أرسلت تركيا اثنين من الأئمة إلى كوريا ، الشيخ / زبير كوجي والشيخ / عبد الرحمن وذلك لتعليم الكوريين الدين الإسلامي ، وبنى الجنود الأتراك مسجداً مؤقتاً باستخدام خيمة قديمة يؤدي فيها الكوريون الصلاة ويتعلمون الإسلام . ومنذ ذلك التاريخ بدأ دين الله ينتشر في كوريا ببطء شديد. وفي السنوات التالية بلغت أنباء اعتناق بعض الكوريين الإسلام إلى الدول المسلمة المجاورة وقد أبدت منظمات وهيئات إسلامية عديدة اهتماماً كبيراً بهذا العدد الصغير من المسلمين الكوريين . وتأتي » ماليزيا « في مقدمة تلك الدول . وفي سنة 1963 بادر السيد داتو حاج نوح المتحدث باسم البرلمان الماليزي بزيارة كوريا على رأس وفد ماليزي للاطلاع على أوضاع المسلمين الكوريين الجدد ، ودراسة نشر الإسلام في كوريا . وبعد عودته إلى ماليزيا ، فتح مجالاً للتعاون المتبادل بين المسلمين الماليزيين والمسلمين الكوريين ، ونتج عن ذلك دعوة أحد عشر كورياً من بينهم » ثلاث فتيات « على منح من حكومة ماليزيا لتعلم أصول الإسلام ومبادئه وذلك في الكلية الإسلامية في سيلانجور . وفي سنة 1965 زار السيد داتو حاج نوح كوريا مرة أخرى وتم تأسيس الاتحاد الإسلامي الكوري بناء على نصيحته ، وحتى اليوم لا يزال هذا الاتحاد قائما ، بل إنه المنظمة الإسلامية الوحيدة الموجودة في كوريا والمعترف بها قانوناً من الدولة ويشعر المسلمون الكوريون بالعزة والاعتزاز بسمات هذا الاتحاد الفريدة المميزة . وبعد عودته إلى ماليزيا قام السيد / تنكو عبد الرحمن الذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء ماليزيا بمنح مائة ألف دولار ماليزي أي بما يعادل 33000 دولار أمريكي لدعم أوجه نشاط الدعوة الإسلامية في كوريا . وقد أكدت هذه المساعدة المالية لدى المسلمين في كوريا الأحلاف وروابط المحبة والإخاء التي تبرز واضحة جلية في الإسلام . وقد شجعهم ذلك على العمل بجد أكبر في نشر الإسلام ، وهكذا تقف ماليزيا على رأس الدول الإسلامية التي تدعم الإسلام والمسلمين في كوريا ، ونحن نقدر هذا الموقف تقديراً بالغا .
ومن الناحية الأخرى فإن باكستان هي الدولة المسلمة الأولى التي أتاحت الفرصة للمسلمين الكوريين في الأيام الأولى بما في ذلك أربعة عشر طالباً لتعلم أصول الإسلام ومبادئه ومعاني القرآن الكريم والحديث ، وعلاوة على ذلك فلا يمكن أن ننسى إسهام جماعة التبليغ من الباكستان وعملها على نشر الإسلام في كوريا . وبدأ الإسلام ينتشر في كوريا بسرعة كبيرة عندما فتحت معظم الدول العربية والإسلامية الأخرى أيديها وقدمت دعماً مخلصاً لإقامة مسجد ومركز إسلامي في سيول عاصمة كوريا وذلك في سنة 1976 م .
2 ـ المساجد والمراكز الإسلامية في كوريا: وفي مايو 1976 م أتم اتحاد المسلمين الكوريين بناء أول مسجد ومركز إسلامي في كوريا بالمساعدات المادية من الدول الإسلامية التالية ، المملكة العربية السعودية ، ليبيا ، والكويت وقطر والمغرب والإمارات العربية المتحدة … إلخ وكانت أكبر المساعدات من رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية وجمعية الدعوة الإسلامية في ليبيا ، وقد شارك في حفل افتتاح المسجد الكبير والمركز الإسلامي في سيول أكثر من خمسين وفداً حضروا من عشرين دولة إسلامية . وقد مرت ثلاثون عاماً منذ أن دخل الإسلام لأول مرة في كوريا ومرت عشرون سنة على إنشاء الاتحاد الكوري الإسلامي . وقد كانت أوجه نشاط الاتحاد راكدة قبل إنشاء المركز الإسلامي والمسجد الكبير في سنة 1976 م وبعد إنشائهما وتشييدهما استطاع الاتحاد أن يحقق نجاحاً ملموساً في زيادة عدد المسلمين من 3000 مسلم إلى أكثر من 300.000 مسلم خلال عشر سنوات وقد نتج عن ذلك زيادة في الإدراك والوعي بالإسلام في كوريا من خلال وسائل الدعوة الفاعلة .
وقد افتتح المسجد الثاني بحمد الله وتوفيقه تعالى عام 1980 في مدينة بوزان ثاني أكبر المدن الواقعة في جنوبي كوريا ، وبحضور أكثر من 50 مندوباً من مختلف الدول الإسلامية ، وتمت تغطية تكاليف مباني هذا المشروع من مساهمة الإخوة الكرماء في ليبيا بصورة عامة ومن الدكتور علي الفلاغ وزير المالية الليبي وقتئذ ، بصفة خاصة . بالإضافة إلى ذلك أقيم حفل افتتاح المسجد الثالث والمركز الإسلامي في يوليو 1981 وشاهده أكثر من 40 مندوباً من الدول الإسلامية بما فيها الجزائر وأوغندة وبنجلاديش وباكستان والهند وإيران وتركيا وليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر وهونج كونج وغيرها ويقع المسجد والمركز على بعد 30 ميلاً من العاصمة . توجد بلدة صغيرة وسط حوالي عشرين قرية تسمى سسانج ـ يونج ـ دي يسكنها حوالي 700 نسمة ـ اعتنقوا جميعاً الإسلام منذ عامين وبدأ أحد رجال الدعوة في القرية بنشر حقائق الإسلام في القرى المجاورة . وفي مايو سنة 1979 زار كوريا سعادة الأستاذ محمد ناصر الحمضان العتيبي وكيل وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت ، كما زار القرية ساسانج ـ يونج دي التي أطلقت على نفسها القرية الإسلامية وشجع المسلمين الجدد . وبعد عودته إلى الكويت زار القرية سعادة الشيخ إبراهيم الصقعبي قاضي الإستئناف بالكويت ووعد بأن يتحمل جميع تكاليف المسجد والمركز الإسلامي ، وقد تبرع بالأرض واحد من المسلمين المخلصين في نفس القرية . ويأمل الاتحاد أن يكون هذا المسجد الثالث نقطة تحول جذري في نشر تعاليم الإسلام بين المواطنين في تلك المنطقة ، ونشر الإسلام نشراً منتظماً في المناطق الريفية المجاورة في أنحاء البلاد .
3 ـ الحالة الاجتماعية للمسلمين في كوريا: رغم العدد القليل والتاريخ القصير ، للمسلمين في كوريا فإنهم يعملون اليوم بجد ونشاط في كل مشارب الحياة ، بعضهم تقلد مراكز مرموقة في المجتمع كأساتذة ومحامين وأطباء وموظفي حكومة وديبلوماسيين واقتصاديين كما يوجد منهم الصحفيون والمهندسون والجنود ورجال الأعمال وغيرهم وطلاب الجامعات بنين وبنات وعمال وفلاحون ، جميعم يبدون اهتماماً بحقيقة وتعاليم الإسلام رغم الجهل بالإسلام السائد في كوريا . الإسلام دين غير مفهوم في كوريا بسبب سوء النية وتشويه التعاليم الإسلامية على يد المثقفيين الغربيين ، إذ إن معظم خريجي الكليات يعرفون جيداً أنه يوجد أكثر من 30.000 مسلم في كوريا ومعظهم اعتنق الإسلام خلال السنوات العشر الماضية بعد إنشاء أول مسجد وأول مركز إسلامي في عام 1976 ولم يرفع أحد سيفاً واحداً لإجبارهم على الدخول في الدين الجديد وفي نفس الوقت لا يزال بعضهم يصر على تصديق الخرافات التي تعلموها على يد معلميهم المستغربين ، وبالإضافة إلى ما سبق يدرس أكثر من 1000 طالب العربية والدراسات الإسلامية في أقسام اللغة العربية وفي أربع جامعات كورية . كانت البوذية في الماضي هي الديانة التقليدية والدين الرسمي خلال حكم أسرة كو ـ ريو في القرن الثامن . ودخلت الكونفوشيوسية في الحياة الكورية خلال حكم أسرة لي لمدة 600 عام ثم دخلت الديانة الكاثوليكية الرومانية منذ 201 عام رغم الإضطهاد الحكومي العنيف ، ولكن كوريا الآن دولة علمانية لا يعتنق 55 % من شعبها أية ديانة ولا يوجد لديهم عبادة خاصة ، ومع ذلك فإن كثيراً من عاداتهم القديمة وتقاليدهم ودياناتهم الموروثة تشبه إلى حد كبير تعاليم الإسلام ، فإذا استمرت الجهود والنوايا لنشر تعاليم الإسلام في كوريا فإن مستقبل الإسلام فيها سيكون باهراً وواعداً ، وهذا التفاؤل مبني على الأسباب الآتية: 1 ) أن 55% من الشعب الكوري لا ديانة له ولا عقيدة ولا يرتبط بأي تعاليم دينية ولا يوجد لديهم أية طقوس أو أية صلوات . 2 ) أكثر من 99% من الكوريين ـ رجالاً ونساء ـ متعلمون و80% منهم نالوا تعليماً عالياً . 3 ) كثيراً من التقاليد القديمة للشعب الكوري متفقة مع تقاليد الإسلام كما يشاهد في فكرة وحدانية الله . 4 ) تاريخياً ـ لم تقم أية صورة من صور العداء بين كوريا والبلاد الإسلامية . 5 ) تعتبر الحضارة والثقافة الكورية ـ إلى حدِ ما ـ ذات أصل شرقي . وهناك حقيقة معروفة جيداً هي أن 38 جامعة و62 كلية ذات برامج دراسية لمدة 4 سنوات و145 كلية مهنية تنتمي إما إلى الإرساليات التبشيرية المسيحية وإما إلى المنظمات البوذية ، وقد دخلت المسيحية البروتستنتية كوريا منذ 100 عام وطبقاً للإحصائيات الصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام فإن عدد المسيحيين بما فيهم الروم الكاثوليك والنحل الأخرى يبلغ الآن ستة ملايين ويكمن السر الاستراتيجي وراء هذا النجاح البارز في الحقائق التالية : توضح التقارير حول المسيحية وأنشطتها في كوريا أن البعثات التبشيرية ركزت كل جهودها منذ البداية على تربية الشباب الكوري على أسس المعتقدات المسيحية ولم يستخدم المسيحيون الكنائس في كوريا لزرع تعاليم المسيحية إلا في حالات نادرة جداً . فالكنيسة بالنسبة للكوريين مجرد مكان للعبادة لأن العامل الكوري أو رجل الأعمال الكوري لا يتوفر له وقت الفراغ الكافي كي يذهب إلى الكنيسة باستمرار ويستمع إلى قداس القسيس ، لذا فقد ركزوا جهودهم في إنشاء مدارس إبتدائية وثانوية وكليات وجامعات وقد تربى الطفل الكوري فيها منذ حداثته حتى تخرجه كشاب مسيحي بكل معنى الكلمة ، وعموماً فإن الوالدين أو الأسرة في كوريا لا تتدخل في الديانة أو الملة التي يختارها أبناؤهم . وفي الوقت نفسه دعنا نتخذ مثالاً من البوذية ، التي كانت ديانة الدولة في كوريا لقرون طويلة قبل ظهور أسرة لي عام 1392 ، لذا كان يوجد أكثر من 1000 معبد بوذي على مستوى عظيم في البلاد ، ولا يختلف الأسلوب البوذي في نشر تعاليمه عن الأسلوب المسيحي فهو ينشئ المعاهد التعليمية من المستوى الإبتدائي إلى المستوى الجامعي وينفذ المناهج الدراسية على أساس العقيدة البوذية ، ومع ذلك فإن المعاهد التعليمية المسيحية أكثر عدداً من البوذية وذلك يساعد المسيحيين على جذب كثير من البوذيين ليصبحوا مسيحيين خلال مناهجهم المرسومة في المعاهد التعليمية . 4 ـ المشاكل التي تواجه أنشطة الدعوة الإسلامية في المجتمع المسلم في كوريا: لقد أُهملت الأقليات المسلمة في الشرق الأقصى لزمن طويل بلغ حوالي 1400 عام من قبل إخوانهم ، ولم تكن كوريا إستثناءً من ذلك ، ومعروف جيداً أن الأقليات المسلمة تعاني المصاعب في المجتمعات غير المسلمة وكذلك في ظل الأفكار والمبادئ السياسية الغربية وقد تُركت هذه الأقليات المسلمة تحت رحمة الجماعات الدينية وغيرها من الجماعات . لذا يصبح من الضروري استمرار البحث في كل بلد من بلاد هذه المنطقة ، إذ أن كل بلد لها مشاكلها المختلفة ، ومع ذلك توجد أوجه شبه سوف تبرز بالتأكيد خلال إجراء البحث في المستقبل القريب .
(1) المشاكل السياسية : لا يوجد لفظ » الدين « في الفلسفة الشيوعية لأن الشيوعيون ينكرون كل الأديان ووجود الخالق ، ويسمحون في الواقع للدعاية الأخرى ضد الأديان بدون إعطاء الحق للجماعات الدينية الأخرى في الرد على دعايتهم ضد الدين ، ولكن ، وبالرغم من كل أنواع الضغط من جانب الحكومة ضد الإسلام فإن التقارير المتوفرة تدل على أن المسلمين في هذه المناطق لم يتركوا ديانتهم وعقيدتهم الإسلامية . ومع ذلك فإن كثير من المسلمين في بعض المناطق التي تمارس الاضطهاد ، قد نسوا ديانتهم وتعاليمهم الإسلامية وأسوأ الحالات هي التي يفترض وجودها في كوريا الشمالية وهي الدولة التي يعيش فيها 15 مليون كوري تحت رحمة الشيوعية . لقد حان الوقت ليفهم المسلمون في العالم متاعب هؤلاء الناس وأن يولوا اهتماماً جاداً لمشاكلهم وإلا فسوف يصيبهم الإحباط ، فهم محتاجون إلى التشجيع والمعونة المادية والمعنوية من العالم الإسلامي . دعوني أولي اهتماماً خاصاً إلى ما يسمى بالتسامح الديني في البلاد الشيوعية مثل كوريا الشمالية حيث لا توجد أية ديانة ، إذ لا يسمح بوجود البوذية ولا المسيحية ولا الكونفوشيوسية ولا الإسلام بالطبع في كوريا الشمالية ولا يوجد مكان في العالم أسوأ من كوريا الشمالية وتصيبني الدهشة باستمرار كلما تلقيت الأسئلة من كثير من الإخوة المسلمين يسألون كم مسلماً وكم مسجداً في كوريا الشمالية ؟ ولم نعد نرحب بمثل هذه الأسئلة البلهاء .
(2) المشاكل التعليمية : إن وضع التعليم الإسلامي الأساسي في كوريا ليس مرضياً إذ لا يوجد تعليم ديني في المدارس الحكومية في هذه المنطقة ، لذا يجب أن يكون هناك تركيز على التعليم الإسلامي لهذا السبب لا بد من إعادة ترتيب وتنظيم برامج التعليم الإسلامية الموجودة . ولا بد من المساعدات الإيجابية للمسلمين الراغبين في إقامة معاهدة تعليمية إسلامية في هذه المنطقة وستكون إقامة الجامعة الإسلامية أعظم إدارة مؤثرة للدعوة الإسلامية في بلاد الشرق الأقصى مثل كوريا ، هذه الجامعة الإسلامية يجب أن تكون من باب فرض العين وفرض الكفاية .
(3) المشاكل المالية : وهي أصعب المشاكل التي تواجه كل أقلية مسلمة وبالتالي فإنهم يعانون موقفاً مالياً صعباً لمواجهة نفقات المطبوعات وصيانة المساجد والمراكز الإسلامية وإدارتها وهكذا ، وبدون حل لتلك المشاكل لن يستطيعوا نشر برامجها أو تحقيق أهدافها . إن الاستقرار المالي هو أهم وسائل الدعوة وبدون ضمان المورد المالي لن يستطيع إنسان أن يفكر في قيام مشروع إسلامي طويل المدى فكل إنسان يعرف أن تلك المشاكل المالية يجب أن يحلها المسلمون في بلاد الأقليات بأنفسهم ، ولما كان عدد المسلمين في بلد مثل كوريا صغير جداً فإنه يستحيل علينا أن نقف على أقدامنا وحدنا في هذه الفترة الحالية وحتى نستطيع الاعتماد على أنفسنا فلا يوجد وسيلة أخرى سوى الاعتماد على معاونة العالم الإسلامي .
(4) المشاكل الثقافية والعرقية : إن بلاداً مثل كوريا واليابان والصين وهونج كونج قد تأثرت بالكونفوشيوسية في عاداتها التقليدية لزمن طويل وبنفس الخلفية الثقافية ، فمثلاً ينحني الناس لوالديهم في يوم السنة الجديدة ، كما ينحنون لصور أجدادهم كذلك في طقوس دينية ، وهذا لا يعني صلاة بطبيعة الحال وإنما هو نوع من الاحترام لهم . وفي نفس الوقت تعيش الأقليات المسلمة في الشرق الأقصى في بلاد ذات ديانات راسخة مثل البوذية والكونفوشيوسية والمسيحية ، وقد حققت المسيحية خاصة في أقصى شرق آسيا إنجازات ملموسة في عملها التبشيري بسبب المعونة الهائلة من البلاد الغربية ، وتلك السيطرة الخاصة بالديانات القديمة الراسخة منعتنا من نشر الدعوة الإسلامية في هذه المنطقة . وفوق ذلك هناك سوء فهم للإسلام في هذه المنطقة ، فما زال كثير من الناس يفهمون الإسلام على أنه دين الإكراه وتعدد الزوجات والعقوبة القاسية ، وحتى كتب المدارس الإبتدائية والثانوية مليئة بتشويهات كثيرة للإسلام فمثلاً يعتقد مؤرخون كوريون مشهورون اعتقاداً جازماً بأن الحملة الصليبية خلال العصور الوسطى إنما هي حرب مقدسة .
(5) النقص في الدعاة المؤهلين والمفكرين والكتب :
أ ـ إن الديانات الراسخة مثل المسيحية والبوذية هي المهيمنة في كوريا ولذلك فلا بد من توفير الدعاة الإسلاميين المؤهلين تأهيلا ًعالياً ، صحيح أن عدد المسلمين الجدد في كوريا يزداد بمتوالية هندسية بعد أن اكتمل أول مسجد وأول مركز إسلامي عام 1976 وبالتالي أصبح من المستحيل عليهم القيام بالتبشير الإسلامي بكفاءة من خلال عدد محدود من الدعاة ، ولدى الاتحاد الإسلامي الكوري خمسة دعاة موفدين من الدول الإسلامية ويصعب جداً على أية حال تغطية متطلبات نشر الإسلام على المستوى القومي بهؤلاء الدعاة الخمسة إذا ما وضعنا في الاعتبار المعوقات الكثيرة أمام الدعاة في كوريا مثل ضعف اللغة والفروق الاجتماعية والثقافية بينهم وبين الشعب الكوري لذا يتطلب الأمر تأمين دعاة مؤهلين ومدربين في البلاد الإسلامية بقدر المستطاع لأنها الوسيلة المثلى لنشر الإسلام بأسلوب فعال في الخطة طويلة الأمد . وبهذا الخصوص نأمل أن تدعو كثير من الدول الإسلامية شبابها الطلاب لدراسة الثقافة الإسلامية واللغة العربية في تلك البلاد بهدف التنشئة الفعالة للدعاة المؤهلين للمستقبل وفي حال إرسال الدول الإسلامية لدعاتها نفضل إرسال الدعاة ذوي التأهيل العالي ليس في الثقافة الإسلامية فقط بل في مجال الأديان المقارنة وأن يكونوا من ذوي الشخصيات والاتجاهات الجيدة والتي تعبر عن النموذج المثالي للمسلم .
ب ـ المفكرون الإسلاميون والعلماء: وهم مطلوبون كذلك وبطريقة ملحة في الشرق الأقصى بما في ذلك كوريا فبدون هؤلاء المفكرين والعلماء فمن الذي يستطيع أن يدرِّس الثقافة الإسلامية بطريقة أكاديمية وعلمية كما أنه لا ينتظر بدون هؤلاء أن تكون هناك دعوة مؤثرة ومستوى عال من التعليم الإسلامي للمثقفين بما فيهم طلاب الجامعات .
جـ ـ المشكلة الأخرى هي نقص الكتب الإسلامية والمؤلفات الإسلامية بما في ذلك المصاحف وكتب الحديث ، ويتردد الكثير من الكوريين على المسجد والمركز الإسلامي يومياً يسألون ما هو الإسلام ، ويجيب عليهم الدعاة بالطبع ويتكلمون عن الإسلام باللغة الإنجليزية ويرغب الكوريون على كل حال في أن يعرفوا الإسلام معرفة أكثر عمقاً وبأسلوب علمي ويطلبون الكتب الإسلامية باللغة الكورية ولحل هذه المشاكل بدأ الإتحاد الإسلامي الكوري في نشر سلسلة من المؤلفات الإسلامية بتجميع أو ترجمة الكتب الإسلامية المنشورة في البلاد الإسلامية وهي عملية تستغرق الوقت الطويل والمال . إلى جانب ذلك نحتاج إلى كثير من الكتب في الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الإسلامية ، ويعتقد الكثير من الكوريين أن الاتحاد الإسلامي الكوري هو مركز إعلامي للبلاد الإسلامية ومع ذلك سيكون من المستحيل بناء مركز ثقافي بدون معونات البلاد والمنظمات الإسلامية . وإذا أخذنا في الاعتبار ذلك الاتجاه الكوري الحديث نحو الإسلام مثل الاهتمام المتزايد بالعالم العربي والثقافة العربية منذ أزمة النفط فإنه يمكن تحقيق انتشار للنفوذ الإسلامي في أنحاء البلاد . وإذا استطعنا أن نجعل العمال الكوريين البالغ عددهم أكثر من 200.000 عامل في البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط يعتنقون الإسلام هم وعائلاتهم فسوف يكون ذلك نقطة انطلاق في نشر الإسلام على المستوى القومي ، بالإضافة إلى ذلك الجهود التي يبذلها الاتحاد لإدخالهم في حظيرة الإسلام عن طريق الاتصال بكثير من الشركات العاملة في هذه المجالات وقد حققنا نتائج مثمرة من وراء هذا الجهد . وأهم من ذلك جميعاً تلك الحقيقة التي تقول أنه يوجد في كوريا أكثر من 20 مليوناً من غير المسلمين مما يعطي آمالاً واعدة في انتشار الإسلام . وقد يكون من السهل استخلاص النتائج حول الموقف العام للإسلام ومستقبله في كوريا . وكما بينا في الظروف والمواقف السابق شرحها ، فإنه يمكن تقييم الظروف الخارجية لنشر الإسلام في كوريا على أنها جيدة في كثير من الأحوال . فالمشكلة هي كيف نبَّسط أعمال نشر الدعوة بأسلوب أكثر تأثيراً بالإضافة إلى التركيز الداخلي واللازم لهذا النوع من الظروف ، لذا يلزم وجود تركيبة افتراضية تتكون من الميل الروحي للجهاد في سبيل نشر الإسلام من جانب مسلمي كوريا والمعاونة القوية المادية والمعنوية من جانب البلاد الإسلامية الكبرى في أنحاء العالم .
إن الإسلام في كوريا حقيقة الأمر يشبه شجرة تحتاج إلى كمية ضخمة من الغذاء والماء والشمس مع عمرها القصير البالغ ثلاثين عاماً ، وفوق ذلك يفترض أنه إذا استمرت المعونات الإيجابية من جانب الإخوة المسلمين من أنحاء العالم فإن شجرة الإسلام في كوريا ستنمو مترعرعة مع نشر التعاليم الإسلامية في أنحاء تلك البلاد ، ونأمل أن ينال الإسلام في كوريا نقطة تحول جديدة في انتشاره عن طريق معرفة ودراسة الأساليب الأكثر فاعلية والطريقة المثلى لأعمال الدعوة الإسلامية من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية .
- ملاحظة : أضافها (احمد معاذ الخطيب الحسني) : - سبق أن دعي والدي رحمه الله إلى حفل الافتتاح في المسجد الأول لمسلمي كورية والذي بني عام 1976م ، وأذكر أن رئيس كورية وقتها رحب ببناء المسجد ، بل أهدى المسلمين قطعة أرض في مكان ممتاز … ولقد حجم الدعوة هناك مالم يذكره الكاتب من مناهج ضيقة لم يستطع إخلاص أصحابها أن يعوض عن قصور نظرهم ، حيث بدؤوا بطرح مشاكل عقدية وفقهية لم يستطع الكوريون استيعابها ، رغم أنه وكما ذكر الكاتب يلتقون في جذورهم العميقة مع الإسلام ، وكانت لديهم نزعة توحيدية في الدين القديم الذي كان منتشراً بينهم ، ومن المآسي أن بعض الدعاة بدأ بتفقيه الكوريين حول حرمة لحم الكلاب ( وهو أمر شديد الانتشار في جنوب شرق آسية) ولم يصغ الدعاة إلى حكماء الدعوة وعلى رأسهم العلامة الشيخ محمد الغزالي الذي نصحهم بأن يدعوا تلك الأمور جانباً فلم يلتفتوا إليه شموخاً بمناهج أثبتت الوقائع والتجارب والإخفاقات المريرة ضعفها وعدم إدراكها للأولويات! - تعودنا الحديث عن النجاح دون أن ننظر في الخسائر ، ومن المحزن جداً تلك الخسائر التي تحصل عندما يقيم في بلاد المسلمين وخصوصاً دول الخليج الملايين من الكوريين والصينيين والتايلانديين والفيليبينيين وغيرهم … فلا يدخل في الإسلام منهم إلا بعض مئات في كل سنة ، وهذا مؤشر خطير إلى الضعف الدعوي في الأسس والمناهج والحركة والفقه المطروح رغم الأموال الهائلة التي تبذل! فيكون المردود من ورائها في غاية التواضع! - إن في ذلك لذكرى ….