في باكورة شبابي ذهبت مع قريب لي إلى مكتب دفن الموتى لأخذِ إذن بدفن قريب ، وعلمت هناك أن الجنائز درجات! وعلى كثرة ما ابتدع الناس فيها فإن التمييز موجود ، فقماش النعش للدرجة الثالثة باهت قليل التطريز ، والتابوت في خشبه شقوق معيبة ، أما المؤذن المرافق فله صوت أجش غليظ كفيل بنقل من ليس بميت إلى مثواه الأخير لشدة الكآبة المعانقة له! وغير ذلك مما لايمت إلى كتاب ولا سنة ولا عقل رشيد …
اكتشفت مع الوقت أن الكثيرين يقومون بأعمالهم ضمن درجات مثل مكتب دفن الموتى تماماً ، وبدل أن يكون للإنسان على سبيل المثال مستوى من الإتقان لاينزل عنه لأن ذلك مبدأ في حياته ، نجده يسوق حسب السوق! وله مع كل حي مزاج وطريقة ، وعندما تصبح الأمانة نسبية يقوم الإنسان بالعمل ضمن حدوده الدنيا ، لا لأنه مرهق بل لأنه غير متقن ، ويستغل جهلك بما يمكن أداؤه ليعطيك الحد الأدنى ، فإن لاحظت ذلك رفع سوية العمل قليلاً فإن أشعرته أنك مدرك أن ذلك لايكفي قام بجهد أفضل بوجه بارد وقلب ميت … أو انفجر في وجهك متهماً لك بأنك تكلفه مالا يمكن ولا يطاق!
في الأوساط التي تحترم نفسها إما لشريعة تقودها أو لسبب دنوي محض تنهجه ؛ يقدم إليك العمل جاهزاً (على المفتاح) لأن تلك الأوساط لا ترضى بالنزول عن مستويات من الإتقان جعلتها في حياتها عقيدة وأساساً .. وعن ابن أبي مليكة أن امرأة مجذومة كانت تطوف البيت فمر بها عمر رضي الله عنه فقال: يا أمة الله : لوجلست في بيتك لا تؤذي الناس ، فجلست ، ثم مر بها رجل فقال : إن الذي كان نهاك قد مات فاخرجي! فقالت: ماكنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً!
تخلف الأمة لم يأت من العدم بل من سلوكيات حملها البعض دون إدراك لخطورتها .. وربما أعانته فورة المال بين يديه أو سلطة توفرت له أو ظروف قاسية مر بها على الشموخ بأنفه على كل رأي لغير عصبته ظاناً أن مخالفه في ضلال مبين ، والأسوأ من ذلك الانسياق القطيعي حسب السوق دون تبصر.
كان العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ذا نظر ثاقب عندما وجه الأنظار إلى أن هناك غيورين على الإسلام لكنهم محامون فاشلون يزيدون القضايا تعقيداً ، وبدل أن تنتهي مسألتك في شهور تبقى في المحاكم عقوداً بسبب عدم إدراكهم كيف يكون الدفاع أو الهجوم .
من أخطر البدع التي تتسلل إلى المسلمين أخلاقيات الخصم ، وهي أخطر بكثير مما يدندن عليه بعضنا! وهناك مناهج جربت حظها في الجهاد والعلم والآن بعدما فقدت زخمها و سببت أفدح الخسائر بدأت تشتغل بالدعوة!
هذه المناهج تقوم ابتداء على نظر محدود وفكر صدامي أعانت عليه طفرة المال في السبعينات والثمانينات ، وهي تتجه إلى زج الأمة كلها في خضم حركتها التي يقوم بها من لكثير منهم –شهد الله- غيرة هائلة على الإسلام ولكن يفسدها نظر شديد الضيق في إدراك مقاصد الشرع ومآلات الأعمال ….
في محور الجهاد انطلقت تلك المناهج في حماسة جارفة ليس لها نظير وفاتها أن تنتدب طائفة للتأسيس الصحيح في الأمة ، وقدمت تلك المناهج نماذج مشرقة في البطولة التي تآكلت بعدما انتهى العمل العسكري أو قل بدأت تأكل نفسها بنفسها ، وأكبر مثال على ذلك حرب أفغانستان التي تحول النصر فيها إلى نكبة عندما بدأت فصائل المجاهدين تجاهد إخوة العقيدة والسيف ، ودفع المسلمون من دمائهم ومشرديهم ومعاقيهم وأيتامهم وقوداً لتلك الحرب أكثر مما دفعوه لإخراج الروس من بلادهم.
المفصل الأساس في الموضوع مايلي: هل القتال هدف أم وسيلة؟ (لأن الله تعالى ما أراد إفناء الخلق ، ولا خلقهم ليُقتلوا … ) كما يقول ابن الصلاح في فتاويه ، ومن يقرأ ماكتبه العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في كتابه : مجموعة الجهاد المشروع في الإسلام ، وماكتبه الأستاذ ظافر القاسمي في كتابه : الجهاد والحقوق الدولية العامة في الإسلام ، ومادندن عليه الشيخ فيصل المولوي في رسالته : مفاهيم أساسية للدعوة الإسلامية في بلاد الغرب .. من يقرأ ذلك يتبين له وجه الصواب ، وأن (القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال الله تعالى: ,وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين- كما يقول ابن تيمية رحمه الله في السياسة الشرعية.
ونظراً للعنت والتكبر العالمي فقد انطلق المجاهدون في غزوة كبرى كما يسمونها (ونعتقدها عين الخطأ) فأغاروا على مركز التجارة في نيويورك في حادثة قد لايُعلم حتى اليوم من خطط لها وأرادها بهذا الوجه ، وإن كان بعض [المجاهدين] قد تبنوها جهاراً نهاراً غاضين النظر عن الفكر الصدامي الذي قرروه معها ويحاولون زج الأمة كلها فيه ، وغير مقدرين للخسائر الهائلة التي سببوها في إحراق دروب الدعوة إلى الله ، (وما من مشتغل بالدعوة إلا ويعلم معنى هذا الكلام) و منطلقين من فكر أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو الصدام والقتال لا الدعوة والتعارف ، وأن الدنيا إما دار حرب وإما دار سلم ، وهو مصطلح فقهي تغير فحواه واختلطت أبعاده وليس ملزماً للأمة في شيء ، وكأنهم يريدون تغطية حديثة له ، دون أن يفطنوا إلى أن بلاد الكفار قدمت للمسلمين (حتى ماقبل الغزوة المباركة) من الاحترام لدينهم مالم يحصل في أكثر بلاد المسلمين التي يحكمها الأئمة الصالحون! رضي الله عنهم ، وناسين التمييز الدقيق بين شعوب أغلبها يعيش قريباً جداً من الفطرة رغم انحرافات عنده ، وأنظمة استكبارية ملأت الأرض نهباً وظلماً وفساداً ، وكان الإسلام المرشح الأول بل الأوحد لكسب تلك الشعوب وهدايتها إلى الله ، فدمر إخواننا المجاهدون تلك الجسور ، ومازالوا يحاولون زج تلك الشعوب كلها وراء أنظمتها ، وما أدركوا أن هداية إنسان إلى الله خير من حُمْر النَّـعم ، فكيف بهداية شعوب بكاملها ؛ الفطرة فيها كامنة كموناً لا يعلمه إلا من دعا إلى الله بينهم ، وإن ترددهم وقلة من يفتح قلبه منهم للإسلام إنما هو بسبب كسلنا وسوء القدوة الذي نقدمه لهم وليس بسبب رفض قطعي لمنهج الله في الحياة.
في فيلق إسلامي تابع للجيش البوسني المسلم ، وقف الرئيس علي عزت بيكوفيتش ليقول للجنود في أواخر الحرب التي ندر مثلها في الوحشية : (يكفيكم أمام التاريخ أنه لم تدمر على أيديكم كنيسة واحدة) فلقد كانت كل الكنائس التي خربت قد دمرت في القصف المتبادل بين الكروات الكاثوليك والصرب الأرثوذوكس! ورغم مادمره الوحوش من مساجد المسلمين فلقد كان بيكوفيتش وجنوده قرة عين للإسلام في أخلاقياته الفريدة ، وكأنهم للتو سمعوا كلمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يخطب في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة ….) إلى آخر وصيته الجليلة ، وأثبتوا أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
ثم بدأ الانحراف في الجهاد عندما صرنا نتبنى أخلاقيات الخصم الحربية وكأنها ليست بدعة وخروجاً عما أمر الله ، ومنذ متى كان المسلم يرضى أن يدمر مكاناً للعبادة مهما كان من فيه ، ومتى كان المسلم يفجر مخبزاً أو جنازة أو عرساً لأن صاحبه ليس على مذهبه مثلاً ، ومتى كان المجاهدون يدخلون في مضائق من أقلها ركوب قوات الاحتلال البغيض في العراق الموجَةَ ، واستثمارها فكراً في أدبيات بعض أفراده جواز الاعتداء والقتل حتى على مسلم يخالف توجهاتهم!
لقد كانت حركة حماس مثلاً قادرة على تفجير مدرسة للأطفال (الإسرائيليين) أوقتل نساء عزلاوات أو تدمير مشفى لكنها لم تفعل ، لا عجزاً ، بل لأن جذورها الإسلامية لا تسمح لها بذلك ، وكانت تستطيع أن تزهق روح كل من يمد يده عليه من الفصائل الأخرى ، لكنهم أعلنوا حرمة الدم الفلسطيني مهما كان ، ورغم كل الأذى الذي لاقوه لأن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المنهاج (لا يتحدثون أن محمداً يقتل أصحابه).
المحور الثاني محور العلم الشرعي ، فقد اختزل بعض إخواننا الأفاضل الإسلام كله في مذهب من مذاهبه ثم اختزلوا المذهب في أئمة محددين ثم اختزلوا أولئك الأئمة في مجموعة من الأمة صادرت العلم كله ضمن منظورها وإدراكها ورؤيتها التي [ومع الاحترام الشديد لإخواننا] لم تستطع أن تقرأ ظروف الأمة وواقعها ، وبقيت أسيرة محلية ضيقة ، وسيبقى ذلك النظر أسيراً مهما دعمه المال ونشرت لأجله ملايين الكتب والكاسيتات ومواقع الانترتيت والفضائيات حتى يصطلح مع نفسه أولاً ثم مع الأمة التي يقول أنه يعمل من اجلها!
لقد كان الإمام الغزالي (أحد أئمة الأشاعرة) من أوائل من قدح في القلوب أن الإسلام أوسع من أية راية حُملت من أجله ، عندما قال وبأصرح عبارة ممكنة في رسالته النافعة فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة : (فخاطب نفسك وصاحبك ، وطالبه بحد الكفر ، فإن زعم أن حد الكفر مايخالف مذهب الأشعري أو مذهب المعتزلي أو مذهب الحنبلي أو غيرهم فاعلم أنه غر بليد قد قيده التقليد ، فهو أعمى من العميان ، فلا تضيع بإصلاحه الزمان).
لقد قام الغزالي بنقد عام جعل مذهبه تحت نتائجه دون أن يأخذه التعصب إلى الغرق به ، والمشكلة الآن أن نتائج سنوات كثيرة من نشر التفكير الضيق والتعصب قد أحالت الساحة الغنية والدوحة الوارفة للإسلام من الفعالية إلى الهامشية والضياع في الجزئيات ، وماطرح سابقاً من فكر تكفيري للأمة توارى قليلاً على استحياء بعد أن أرسل مبعوثيه ومقدماته في التضليل والتبديع والتفسيق والإخراج من الملة مما يزيد في التشرذم ، ويمنع حقيقة من قيام كيان فعال يلم شمل الأمة.
نظرت يوماً إلى الأسماء التالية : (البنا ، الألباني ، القرضاوي ، ابن باز ، الترابي ،، إنعام الحسن ، البوطي ، النبهاني ، نجم الدين أربكان … وغيرهم) ، فوجدت أن كلاً منهم قد طعنت في سلامة دينه فئة من الناس وربما اتهمهم البعض بالعمالة وقد لا يخلو الأمر من تكفيريين يتسللون تحت مزاعم شتى ، وحتى لو لم يزعموا ذلك فإنهم يوصلون من يتبعهم إلى نفس النتيجة.
النتيجة أيها الإخوة الكرام والأخوات الغاليات أن كل علمائنا منحرفون ، أو عملاء ، وحتى كفار عند بعض ذوي العقول الخاصة ، والنتيجة أننا كلنا في النهاية منحرفون ضالون!!! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ، وإن الفكر التكفيري مرفوض جملة وتفصيلاً ، و(من قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما) كما جاء عن النبي الهادي عليه الصلاة والسلام.
في كتاب مولانا أبي الحسن الندوي: رجال الفكر والدعوة في الإسلام- المجلد الأول ، قام الندوي بنقد داخلي لعلل أصابت الفكر الأشعري ، ولكنه لا يوقد في قلبك احتقارا لهم ، ولا إخراجاً من الملة ، فقد كان علمه محفوفاً بالأدب الشرعي الذي وضح الشافعي رحمه الله بعض معالمه عندما قال: (الرجل يقول لصاحبه كفرت والصواب عندنا أن يقول أخطأت)!
إننا نرفض التكفير ولا نتعصب لأحد ولا نخجل من أحد في إبداء الصواب ، ومانعتقد مجانبته للصواب فواجبنا الشرعي أن نحذر الناس منه ، فديننا أغلى من كل أحد ،ولكننا نريد أن يكون في ألفاظنا خطوط حمراء من أدب الإسلام وروح البحث عن الحق والشجاعة في الاعتراف بالغلط والرجوع عنه ، وأن لايكون عملنا هو تدمير عمل غيرنا بل ترشيده ونصحه والحرص عليه!
مازالت بعض الفضائيات تقدم كل فترة حواراً حول حق المرأة في قيادة سيارة ، أو الإدلاء بصوتها في الانتخابات ، وليت المفتين يقولون : إن ظروفنا الاجتماعية لايناسبها الأمر ، إذاً لهان الخطب ولكنهم يجزمون بحرمة ذلك معتقدين أنهم أقاموا الدين الحنيف ، وينقلون بقوة المال تلك الفتاوى إلى الشرق والغرب ، ناسين أنهم قد ضيقوا بذلك واسعاً ، وزجوا بالباحثين عن الخلاص في بلاد المسلمين وراء نشاطات السفارات الغربية التي صارت هي الرافعة لحقوق الإنسان وكرامة المرأة!
إن كل منهج يعتقد أنه المنهج المعصوم يقوم باعتداء على الأمة ، والمنهج الذي لا يقوم بالنقد الداخلي لبنيته سوف يتأكل مهما ركب الظروف ، ولكن بعد أن يؤدي إلى أفدح الأضرار.
سمعت يوماً من أخ فاضل أحترمه أنه كان في مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة ، عقدته جماعة لاتنطبق أفكارها على مايظنه هو الصواب ، فقال بكل اعتزاز : لقد فرطت لهم المؤتمر!! ما أحلى البطولة في موقعها ، وما أسوأ فكر الصدام ، وما آلم قولة المنشد أحمد البربور رحمه الله :
في الصوفية سار فريق وزوى الآخر للسلفية
والإسلام يئن جريحاً يومي : إليَّ إليَّ إليَّ
أنفق كثيرون من المسلمين من الأموال والأوقات والجهود في تدمير أعمال إخوانهم أكثر مما بذلوه في هداية الناس إلى الله ، وهناك بلاد إسلامية كثيرة ، تنقصها المصاحف وكتب الحديث والعلم ولا يصلها من ذلك شيء بل تصلها كتب الحرب المذهبي والاختلاف المنهجي الشديد.. والطعن في باقي المسلمين.
المحور الثالث هو محور الدعوة : وأنا أضع يدي على قلبي وأسأل الله اللطف كي لايجتاحه بعض إخواننا الذين لا يدركون خطورة ما يفعلون ، ولقد فتحت مشكلة الرسوم المتطاولة على مقام النبي الهادي صلى الله عليه وسلم الباب للحديث الصريح في أمر الدعوة في ديار الغرب ، وليس من المناسب إغماض العيون عن ذلك .
لقد وضحنا في كلمة الشهر السابقة (وتوجد في الأرشيف) الموقف من التطاول على مقام نبي الله عليه الصلاة والسلام ، ولكن السلوك الصدامي ليس محموداً بحال ، وهناك من يصعد الأمور ، ونحن نقول: يجب أن نستثمر المقاطعة ونفعلها ونضغط بكافة الوسائل السلمية والقنوات السياسية والمد الإسلامي الشعبي من أجل قانون يمنع من التطاول على أنبياء الله جميعاً ، بل يمنع من إهانة أي عقيدة ، فإن القرآن الكريم أمر المسلمين (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدواً بغير علم) (الأنعام-108) ، ولكن إغلاق المنفذ كله لن يأتي بنتيجة سليمة ، والخطاب التصعيدي إنما هو كومة قش لها دفء عارم ولا شك ، ولكنها ليست بذات قرار مالم يتبعها سلوك قويم.
منذ ما يقارب السنتين قام مخرج هولندي بالتعاون مع امرأة صومالية مرتدة بإخراج فيلم شديد الإساءة للإسلام ، وحرك الأمر مشاعر المسلمين فقام شاب هولاندي المولد مسلم الأصل بإطلاق رصاصتين ثم تابع بالسكين الإجهاز على المخرج ، وكادت تنفجر الأمور بين مسلمين طعنوا في صميم عقيدتهم وغير مسلمين أحسوا أنه اعتدي على الحرية ضمن رؤيتهم الخاصة ، وتم تدارك الأمر من قبل الطرفين بعد أن أحرقت مساجد واعتدي على مدارس إسلامية ولقي كثير من المتدينين والمحجبات أذى كثيراً . قامت وزيرة شؤون الأقليات بزيارة مركز إسلامي لتخفيف الاحتقان ، ولتوجيه رسالة تعبر عن إدراك لمشاعر المسلمين ومدت يدها لتصافح الإمام فامتنع وأصرت فأصر والكاميرات تصور ، فعاد الاحتقان ، وألقى الأمر بظلال كئيبة على صورة المسلمين التي لايمكن لغربي أن يفهم منطلقات إمامهم الغيور.
قال لي أخ هل تريد من الإمام أن يصافحها؟ فقلت –وبصراحة- نعم ، فأعتقد أن الموقف السليم يقتضي ذلك ، ودخلنا في نقاش حسمه أحد إخواننا عندما قال: بغض النظر عما هو الصواب فإن امتناع الإمام أساء أكثر مما أفاد لسبب يتعلق ببنية المسلمين وليس بسبب الحكم الشرعي ، فالمسلمون في هولاندا تصل نسبتهم إلى حوالي أربعة ونصف بالمائة ولكن ستين بالمائة من السرقات! يقوم بها أبناء المسلمين! وتلك الشعوب ستحترم حتى أكثر جوانب الالتزام تعنتاً في نظرها عندما يكون لدينك وأتباعه سمعة حسنة ، وإلا فإن الأمر ينطبق على المثال الذي ذكره الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله يوماً عن رجل اشترى ربطة عنق بألف ليرة وهو يمشي بلا بنطال … هذه أحوال كثيرين منا حقيقة ، ولن يفيد في تغيير تلك الصورة صياح ولا صراخ ولا استدعاء العدوانية ولا الهجوم على مسلم يحاول أن يجد منفذاً ولو فردياً فتتلقاه سهام إخوانه بأنه قليل الدين ويستعدون عليه عوام الناس ، وفي بالي مدرس يذكر أن الأكل في الطريق دناءة لكنه لم يتورع عن ابتلاع أموال للأوقاف والاعتداء على أعراض للناس! أما نجم الدين أربكان فقد اضطر للتحالف مع تانسو تشلر لإبعاد حزب علماني ماكر فصافح تلك المرأة فخرب دينه وسمعت من أخرجه من الإسلام ، لأن بعض أهل العلم فينا لم يزرعوا في عقل أتباعهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث صحيح أن الله قد غفر لامرأة بغي من بني إسرائيل لأنها سقت كلباً شربة ماء.
الله أكبر .. شربة ماء تغفر لمومس ، ورجل أفنى حياته في إرساء الإسلام في بيئة علمانية شرسة لا يغفر له بعض المسلمين ، ولو كانت نيته سقاية الأمة كلها لترتوي من الإسلام.
حذرنا في المقالة الماضية من الاستهلاك السياسي الذي يزداد وضوحاً ، وقد كانت إهانة المسلمين جميعاً بإلقاء المصاحف في بيوت الخلاء في (غوانتينامو) أشد بكثير من الرسوم الدانيماركية ، ولم يتحرك أحد! ونحذر اليوم من الاستهلاك الإعلامي ، فهل يتصور أحد حقيقة أن المجتمع الدانيماركي أو الغربي المحقون والذي نزيده حقناً سيصغي بأدب إلى ما نقول ، وهل سينشد إلى كلامنا عن عظمة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم دون أن يكون هناك تعميق لروح الإسلام في نفوس المسلمين أولاً ، وقدوة حسنة لا يقدمها أفراد منا بل روح عامة ننشرها بمجموعنا! ويصنعها كل فرد منا دون أن يأتي أحد فيحصد في لحظات جهود آلاف منا بذلوا بصمت ودون دعاية ودون أن يريدوا من أحد جزاء ولا شكوراً .
في مدينة فرانكلين قرب ديترويت وبعد أحداث أيلول بأشهر كنت ألقي درساً للأخوات في المسجد ، وقالت أخت مصرية يعمل زوجها طبيباً هناك ، أن أسرتهم في الأيام التالية لحادثة نيويورك ؛ قد قبعت في البيت وقد عراها خوف شديد ، وكان الأخ الطبيب يذهب بحذر ويرجع كذلك ، والزوجة وولد وبنت قريبان من العاشرة يبقيان مع الأم وقد أغلقوا الأبواب والنوافذ بإحكام .
كان للأسرة المسلمة جيران أميركيون على الفطرة ، وعندهم ولدان قريبا العمر من أعمار الأولاد المسلمين وبنت في السادسة عشرة ؛ قالت الأخت : كنت أعامل أولاد الأميركيين مثل أولادي وكنت أدعوهم وهما يلعبان في حديقة منزلهما للأكل مع أولادي أو شرب العصير أو الحليب في كل مرة كنت أقدم لأولادي شيئاً منها ، باختصار كنت أمهما الثانية! ، وفي أيام الخوف الشديد سمعت طرقاً عنيفاً على الباب ، ونظرت من وراء ستارة الباب فوجدت جارتي تضم أولادها الثلاثة وهي تصرخ بشكل هستيري ، وظننت أن لصا قد نزل ببيتها ففتحت لها الباب فإذا بها تدخل فتحتضنني وتبللني بدموعها وهي تصرخ : لا .. لا .. لستم أنتم من يفعل ذلك .. وبعد جهد هدأت قليلاً لتخبرنا أنها بعد تفجير نيويورك بدأت الآلة الإعلامية الجهنمية توجه الأنظار إلى المسلمين ، وأيقظت كل روح عدوانية ضدهم ، وصارت تلك الجارة في صراع نفسي شديد ، لم يدعها تنم الليل حتى ذهبت إلى طبيبها النفسي قائلة له : أكاد أجن من الكره الذي ولده الإعلام ضد المسلمين ، إنني أعرفهم جيداً ، أعرف جارنا الطبيب الفاضل الذي يعامل الجيران مثل إخوته ولم تشرد عيناه إلى أية امرأة فقد كان أليف المسجد الذي هو مقر أساسي له مع المشفى والبيت ، وأعرف زوجته الطاهرة النقية التي أيقظت في قلبي الأمومة أكثر و أكثر … وأعرف الأولاد المهذبين … لايمكن لدين أن يخرج من أتباعه من يفعل هذا وذاك …
حتى الطبيب النفسي كانت لديه فطرة فقال لمريضته : إن كان هذا ما تعتقدينه فاذهبي إلى جارتك المسلمة وبوحي لها بذلك …
وأتت الجارة … وتابعت تقول: لايمكن لكم أيها المسلمون أن تكونوا سبب إهلاك الحرث والنسل ، وأنتم الذين يأمركم دينكم أن تكونوا رحمة للعالمين ، لايمكن أن تكونوا من يدمر ويقتل وينسف ، وأنتم الذين جعلتم حينا واحة طمأنينة وسكينة بسكنكم فيه …. لايمكن ..لايمكن .. أن يخرج من نفس الدين تصرفان متناقضان … ومن بين زفراتها أمسكت بابنتها وقالت هذه ابنتي أيها الجارة المسلمة ، خذيها فربيها كما تريدين أريدها أن تكون مسلمة مثلك … أريد أن تكون أخلاقها مثل أخلاقك … علميها الصلاة وضعي لها الحجاب .. بل ربي كل أبنائي على دينكم الرفيع.
قصة حزينة في زمان الصدام واستنفار العدوان في غير محله …
وبالله عليكم أيها الدعاة اقرؤوا التاريخ لتعلموا أن الذي سبب دمار العالم الإسلامي قبل سقوط بغداد الأول ليس المغول ، بل المحامي عن الإسلام الملك المسلم خوارزم شاة الذي قتل التجار ثم رسل ملك المغول ، ودفعت الأمة الثمن ، وأن الذي سبب سقوط الأندلس ليس الجواري المسكينات بل المحامون عن الإسلام من ملوك الطوائف الذين مزقوا الأمة ، وأن الذي يجتاح المسلمين اليوم ويشوه صورتهم ليس تلك الأنظمة الاستكبارية رغم استكبارها بل الفكر الصدامي الذي لم يدرس وأخشى أنه لن يدرس عواقب الأمور..رغم أنه نصب نفسه حامياً لحمى الإسلام.
بالله عليكم أيها الدعاة ميزوا بين الأنظمة الاستكبارية التي لايخفى على أحد فسادها وبغضها للإسلام وأهله ومحاولتها احتلال بلاد المسلمين أرضاً ونفطاً واقتصاداً وثقافة وتشريعاً (وما تخفي صدورهم أكبر) وتلك الشعوب العطشى إلى الإيمان ، وريها ليس بيد أحد غيركم.
اجعلوا أدوات الإعلام تحت أيديكم وإياكم والغرق في بريق أضوائها … أما محبة هذه الأمة لنبيها الهادي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه فبالله عليكم لا تخمدوها ولا تستهلكوها في غير مكانها المناسب ، اجعلوا منها روحاً دفاقة تتبع سنة الهادي المصطفى في كل شؤونه وتحقق فينا ماأخبر عنه ربنا تعالى في حق نبيه العظيم : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
أحمد معاذ الخطيب الحسني
وظيفة : نطلب من الإخوة والأخوات المقيمين في بلاد إسلامية تدارس موضوع : الاستبداد والعلم لعبد الرحمن الكواكبي وهو موجود في فقرة : منائر ، ثم قسم: كتب.
نطلب من الإخوة المقيمين في بلاد غير إسلامية تدارس رسالة: مفاهيم أساسية للدعوة في بلاد الغرب للقاضي الشيخ فيصل مولوي ، وهي موجودة في ركن الدعوة.
كما نطلب من الإخوة نقل هذه الأفكار إلى من حولهم وتدارسها لتبين الصواب ونرحب بل نرجو من كافة الإخوة والأخوات أن يكرمونا بنصائحهم.
ملاحظة : تفضل أخ كريم بإبداء نصيحة حول عبارات قال أن وقعها شديد ويمكن استبدالها بما هو ألطف ، وقد استجبنا له ونسأل الله أن يبارك فيه رغم أننا لم نذكر ذلك من دون داع قوي ، ولكن تأليف القلوب أولى
ملاحظة 2:كلمة حُمْـر النََّـعَم تضبط بضم الحاء وسكون الميم وقد كان فيها خطأ مطبعي فلزم التنويه