ما يطلب من العالم
للشاب الفاضل السيد حسين السراج
(نشرت هذه المقالة في العدد الثاني ـ السنة الأولى 1935م)
من مجلة جمعية التمدن الإسلامي
يؤلم كل منصف عرف ماضي الإسلام الجليل وما فيه من حياة عزيزة وعيشة راضية ما عليه المسلمون من هون وهوان طال ليلهما ولست أريد أن أعالج في هذه المقالة الموجزة هذا البحث من جميع وجوهه المختلفة ، ولكن أصبح مما لا شك فيه لدى كل من بحث هذا البحث من العلماء والمفكرين أن جلّ الداء ناشئ عن شيوخ المسلمين الذين لم يقدِّروا ما يطلبه الإسلام منهم من واجبات كلفوا بها قبل غيرهم من الناس ، إن للعالم منزلة جليلة في الإسلام ومن يمعن في الثناء الوارد على العالم في آيات الإجلال وأحاديث الإكبار يدرك مبلغ اهتمام الإسلام بالعلم اهتماماً عجيباً وعلو منزلة العالم الرفيعة ولكن هذه المنزلة لا تكون لمن علم العلم وأهمل العمل وترك مصالح المسلمين جانباً ، فإن من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم كما ورد في حديث شريف ، وإذا كان العلماء ورثة الأنبياء بعلم ورثوه وخلق اقتبسوه ، فلينظر علماؤنا إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته المباركة ألم يكن في حياته المملوءة جهاداً مستمراً في سبيل الإصلاح الحقيقي مثلاً أعلى لكل مصلح منصف ومجاهد مخلص لا يفتر عن السعي المتواصل لتحقيق غاية جليلة أسعدت الأرض وقلبت العالم ؟ فما بال علمائنا يكتفون إلا القليل النذر بمنافعهم الشخصية ولا يعنون بمصالح الأمة التي كان أسلافهم على رأس قيادتها حينما كانوا يقومون بواجبهم نحوها خير قيام ، كان العالم لا يخشى أن يوقف الظالم عنده حده ، ولا يبالي في كلمة يقولها في سبيل الله هو مخلص فيها وإن كانت سبباً لموته ، أو عذابه عذاباً أليماً ، وها أن التاريخ شاهد بما لاقاه العلماء من حبس وتعذيب وقتل في سبيل كلمة حق أمام سلطان جائر أو كلمة نصح أمام ضال !
ليس الإسلام دين رهبانية وصوامع وانعزال بل دين حياة وسعي وعمل وإصلاح .. ولئن جلت منزلة العالم في الإسلام فقد جلَّ ما يطلب منه أيضاً من الواجبات العديدة ، فالعالم كما يقف في محرابه إماماً في صلاته ينبغي أن يقف على رأس الأمة يهديها إلى سواء السبيل ، وكما يقف على منبر الجامع خطيباً يجب أن يقف على منبر الأمة مبيناً لها شتى شؤونها فليتق الله علماء الأمة وليتعارفوا ويوحدوا الخطة المنظمة لإنقاذ أمة لا نجاح لها إلا بالإسلام ، وليحاسب الناس العلماء ويطلبوا منهم نتائج عملهم وليتركوا من لا يهتم بنصحهم ومصالحهم الحقيقة كما تركهم غير مأسوف عليه ، وليؤثروا على من يعملون لأنفسهم ويسعون لمنافعهم الخاصة غيرهم من العاملين المخلصين .