مقالة للإقتصادي الدكتور : أسامة القاضي
دأبت الكثير من المصارف الإسلامية على إنشاء كثير من عقود البيع الآجل وعقود البيع للآمر بالشراء وعقود البيع بالتقسيط للعقارات والسيارات معتمدة بذلك على أسعار الفائدة المتداولة في البنوك التقليدية دون أية مساءلة من الهيئة الشرعية متعللةً بأن المصارف الإسلامية محكومة بأسعار الفائدة في البنوك التقليدية التي اعتاد الناس على سماعها تباعاً في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، هذا طبعاً فضلاً عن استخدام البنوك المركزية في العالم الإسلامي بحجة أن أسعار الفائدة كأدوات اقتصادية من أجل الوصول إلى مرحلة التشغيل الكامل واستثمار الموارد الاقتصادية والمالية والفائدة بالنسبة للصيرفة العالمية على أنها تمثل الفرصة البديلة لتشغيل الأموال، فالمصرف التقليدي بحسب تلك الحجة يجب أن يحصل من أي عملية تمويل على عائد أعلى من سعر الفائدة السائد في الأسواق العالمية لتكون عملية التمويل مربحة.
عادةً مايقع العاملون في المصارف الإسلامية بحرج عندما يجلسون إلى العملاء الذين يريدون شراء حافلة أو عقار مثلاً فيسأل عن الربح الذي سيتقاضاه المصرف لقاء الاستدانة فيسارع الموظف بقوله المعدل 6 بالمائة مثلاً، ويحار في الإجابة عندما يسأله العميل وماهي هذه ال 6 بالمائة هل هي معدل الفائدة أو معدل الربح؟ على اعتبار أن المصارف التقليدية تتخذ نفس سعر الفائدة الذي هو معروف لدى العامة ولدى العميل لأنه بالتأكيد قد ذهب واستفسر عن حاجته لدى كل المصارف الإسلامية والتقليدية على السواء.
إن عدم استخدام مؤشرات شرعية كمعيار للحساب والاستثمار والربح يُضرّ للأسف بسمعة المصارف الإسلامية لدى العامة، خاصة لأنها تُتَهم للأسف بأنها نسخة طبق الأصل من المصارف التقليدية، وتستخدم نفس الأدوات “اللاإسلامية” من مثل معدلات فائدة “ليبور سعر الفائدة السائد بين البنوك في سوق لندن ” أو “البرايم ريت” ومعدلات الفائدة العالمية والمحلية في صعودها وهبوطها بحجة أن هذه مجرد أسعار استرشادية وأنهم مضطرون للأخذ بسعر الفائدة السائد في الأسواق العالمية عند تحديد هامش الربح في صيغ التمويل القائمة على البيوع الآجلة كعقد المرابحة وعقد التأجير، كي ينافسوا المصارف التقليدية، والتخريجة الأصولية هي “عموم البلوى”.
إن مسألة “عموم البلوى” على اعتبارها شيوع البلاء أو عسر الاحتراز أو صعوبة التخلص أو عسر الاستغناء أو صعوبة الابتعاد وتعذره (كما جاء في دراسة عموم البلوى-دراسة نظرية وتطبيقية لمسلم الدوسيري) لايمكن الأخذ بها في مسألة المصارف الإسلامية إلا على أنها نوع من التكليف كي تستحث المصارف الإسلامية للوصول لحالة من “الاستغناء” عن البدائل غير الشرعية، لا أن تستكين المصارف الإسلامية بعد ربع قرن من العمل إلى واقع الحال بل لابد أن تُعلن الهيئات الشرعية مجتمعة عن تحديد فترة زمنية لانتهاء فترة “الصعوبة” في الاحتراز من الأخذ بأسعار الفائدة كمرجعية، كأن تخرج فتوى بإمهال المصارف الإسلامية مجتمعة مدة سنتين للإنتهاء من هذه الاستعانة ريثما يتم لها استحداث مؤشراتها الخاصة بها.
البديل الذي ربما يكون أقرب لطبيعة الصيرفة الإسلامية هو أن تقوم البنوك الإسلامية مجتمعة بتخصيص جزء من ميزانيتها للبحث الاقتصادي والصيرفي العلمي لاستحداث مؤشرات للأرباح ولمخاطر الاستثمار في المصارف الإسلامية وكذلك مؤشرات اقتصادية في كل الدول التي لديها مصارف إسلامية وفي شتى ميادين العمل الاستثماري ومتابعته بشكل يومي وتوزيعه ونشره في الإعلام المقروء والمكتوب بحيث يكون هناك مثلاً معدل للأرباح العقارية والصناعية والتجارية آخذاً بعين الاعتبار التضخم ومستوى معيشة المواطنين في ذلك البلد الإسلامي وربما بهذا سيكون أكثر إقناعاً لعميل المصرف الإسلامي من مرجعية أسعار الفائدة هذا من جهة، وسيكون أقرب للعدل في تحديد الربحية المصرفية والذي تقوم على أساسه الصيرفة الإسلامية في عقود المرابحة، والبيوع الآجلة، والمضاربة، و عقود التأجير المنتهية بالتمليك وغيرها.
إن استخدام أسعار الفائدة مع استبدال المصطلح فقط هو نوع من الحيل “الشرعية” التي هي في حقيقتها غير شرعية لأن “العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني” كما يقول الأصوليون وإن استبدال المفردة اللغوية فقط لا يقنع العامة عندما يرون المصرف الإسلامي يقوم بتغيير عائد الاستثمار مع تغير أسعار الفائدة العالمية وبنفس المقدار حرصاً منه عدم تفويت فرص الربح.
هذا المطلب ليس جديداً فالدكتور نجاة الله صديقي طرحه في كتابه “استعراض للفكر الاقتصادي الإسلامي” 1987 بقوله: “لماذا لا يستخدم المعدل الجاري لنصيب رب المال في أرباح المضاربات التي تتولاها البنوك اللاربوية كأساس لتقويم ومقارنة الاستثمارات؟”
إن هناك إشكالية نأمل من الأخوة القائمين على الصيرفة الإسلامية التوجه لتداركها في المستقبل وهي أننا نطالب بأسلمة البنوك بينما سلوك البنوك الإسلامية –عموماً- يؤكد لعملاء المصارف الإسلامية أن استخدم أدوات المصارف التقليدية هي أكثر جدوى في الوصول للكفاءة الاقتصادية والمالية!
أعتقد أنه من الناحية الشرعية يجب أن نتأكد أن العملية المصرفية كلها من مبدأها إلى منتهاها ذات “نكهة شرعية” دون ترقيع “شرعي” وأن يكون عقد التمويل والبيع مكتمل الأركان وتام الشروط الشرعية بما فيها هامش الربح (سواء دُفع منجّماً( أي على أقساط) أو دُفع مرة واحدة) والحقيقة أنه لا ينبغي أن يُحَدد حسب لوائح أسعار الفائدة ، فضلاً عن تغير مبلغ القسط مع الزمن بتغير أسعار الفائدة وهذا تقليد تام لما يحصل في الصيرفة التقليدية عندما يكون سعر الفائدة على العقار مثلاً “معدل متحول” مؤلف من سعر الفائدة الأساسي (البرايم ريت) إضافة لهامش ربح (مثال برايم ريت 3% + 2% معدل ربح إضافي = 5% وفي حال قرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة إلى 5% فيصبح معدل الفائدة المفروض على العقار 5+2= 7%).
أدعو في هذه العجالة المصارف الإسلامية لإنشاء صندوق لتأسيس مؤسسة تعنى بـ”نَحت” واستحداث مؤشرات تسترشد بها المصارف الإسلامية على أن يدفع كل مصرف 0.5 بالمائة من مبلغ التأسيس (مرة كل عشر سنوات) على ألا يتجاوز المليون دولار (لوكان مبلغ التأسيس 100 مليون دولار فقط فالمبلغ المخصص لهذا الغرض سيكون نصف مليون دولار) فلو تصورنا أن ال300 مصرف إسلامي في أعلى تقدير قد ساهمت في هذا الصندوق فنحن لدينا حوالي 150-300 مليون دولار تكفي لهذا الغرض بشكل تقديري مبدئيا من أجل استحداث مؤسسة مالية متخصصة في استحداث المؤشرات المالية والتجارية بعد دراسة الأرباح والمخاطر في التمويل المصرفي الإسلامي خلال السنوات العشرين الماضية سيكون هذا عمل مبارك وطيب تستفيد منه الأمة وتعزز الصيرفة الإسلامية مكانتها كلاعب جاد في عالم المال والبنوك، وعندها فقط يمكننا أن نقدم للمصارف التقليدية خدمة الإستعانة بمؤشرات أقرب للعدالة، ونتمتع معاً بمصارف ذات “نكهة إسلامية خالصة” بدون “ترقيعات شرعية” والتعلل بمبدأ “عموم البلوى”، ولو خرجت الهيئات الشرعية بفتوى إمهال المصارف سنتين لاستحداث المؤشرات الشرعية المرجعية في الأرباح سيتذوق العامة والخاصة في عام2011 بـ”المذاق الشرعي الخالص” للمصارف الإسلامية.
http://www.almultaka.net/index.php