إن إقامة الحق ونصرة الإيمان وهيمنة رأي عام صالح لا يمكن أن يتم من دون مقدمات عملية ، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك ضمن مفاهيم عديدة نذكر منها ما يلي:
1- التناصر : ونجد الحث عليه وإبرازه وتوضيح أهميته وضرورته في الآيات التالية:
قال تعالى في سورة آل عمران: }فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{[1] ، وقال أيضاً في سورة آل عمران: }وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ{[2] ، وقال تعالى في سورة الأعراف: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{[3]، وفي سورة الأنفال: }إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{[4] ، وجاء في سورة الأنفال أيضاً: }وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{[5] ، وفي سورة التوبة: }إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{[6] ، وفي التوبة كذلك:﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[7] ، وفي سورة الشعراء : ﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾[8]، وفي سورة الشورى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾[9]، ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾[10].
أما في سورة الحشر فقد جاء: }لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{[11].
وفي سورة الصف قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾[12].
2- الولاية للحق وعدم خذلانه : يحث القرآن الكريم على الولاية للحق في المواقف العملية ، وهي شيء غير الولاية الغيبية أو الولاية والنصرة في الجهاد المباشر ، ونجد تلك الولاية العملية في المواقف متضمنة في العديد من الآيات ؛ مثل قوله تعالى : ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[13] ، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[14]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾[15].وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾[16] ، وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾[17]، وكذلك قوله تعالى:
﴿تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾[18] ، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[19]، وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[20] ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[21].
كما ورد موضوع التولي في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[22]، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[23]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[24]، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾[25].
3- الاتباع : إن الاتباع أمر خطير ، والرأي العام الإيماني لايمكن أن يقوم في حال الاتباع المنحرف ، كما أن إتباع الحق هو الذي ينشئ للحق صولته وقوته ، وإذا استثنينا اللوم في الآخرة ومحاولة أهل الباطل كسب أتباعهم في الأرض فإننا نجد الأمر بالاتباع للحق وترك إتباع الباطل في آيات كثيرة منها على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾[26] ، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[27].
وقوله تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{[28] ، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[29]{، وقوله تعالى: }إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [30]{، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[31] ، وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{[32]، وقوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾[33]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[34] ، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[35].
كما ورد موضوع الاتباع في السور والآيات التالية: (سورة البقرة: الآية : 145، 168،170/ آل عمران: 53 ، 68 ،95 ، 162 ، 174 / النساء: 115 ، 125 ، 135 ، 157 / المائدة: 16 ، 48 ، 77 / الأنعام: 50 ، 56 ، 106 ، 116 ، 142 ، 148 ، 150 ، 153 ، 155 / الأعراف: 142 ، 158 ، 176 ، 193 ، 203 / الأنفال: 64 / التوبة: 100 ،117 / يونس: 15 ، 35 ، 36 ، 66 ، 89 ، 109 / هود: 97 / يوسف: 38 ،108 / الرعد: 37 / إبراهيم: 21 ، 36 ، 44 / الحجر: 42 / النحل: 123 / الكهف: 28 ، 66 / مريم: 43 ، 59 / طه: 16 ، 47 ، 90 ، 123 / الحج: 3 / المؤمنون: 71 / النور ،21 / الشعراء: 111 ، 215 ، القصص: 35 ، 49 ، 50 / الروم: 29 / لقمان: 15 ، 21 / الأحزاب: 2 / سبأ: 20 /يس: 11 ، 20 ، 21 / ص: 26 / الزمر: 18 ، 55 / غافر: 7 ، 38 / الشورى: 15 / الزخرف: 61 / الأحقاف: 9 / محمد: 3 ، 14 ، 16 ، 28 / الطور: 21 / النجم: 23 ، 28 / القمر: 3 / الحديد: 27 / نوح: 21 / القيامة: 18).
إن أهمية الرأي العام في القرآن الكريم تبدو في غاية الوضوح من خلال بعض النماذج؛ ومنها مثلاً قصة الغلام المؤمن الذي وجه الرأي العام بشكل فعال سبب انقلابا سلميا هائلاً ، وهو ماذكره القرآن الكريم في سورة البروج ؛ عند قوله تعالى:} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ*النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ*إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ*وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{[36]، وفي الأحاديث الصحيحة شرح وافٍ للموضوع ؛ على تعدد في الصيغ[37].
يلاحظ في قصة أصحاب الأخدود توجيه واضح نحو مايسمى الآن بالمقاومة المدنية[38]، وتفعيل الرأي العام ، وقلب موازين القوى من خلال أساليب لاعنفية ، ووضع الظالم تحت مُجهر الأمة وفضح أساليب المكر والالتفاف والتضليل التي يقوم بها الطاغون في الأرض ، وبطريقة سلمية تكاليفها زهيدة مهما عظمت ومردودها كبير ، وينبغي الاستفادة من تلك الطرق وتعميم فقهها في الأمة ؛ (فلقد ظل العمل الجماهيري وبأشكاله المختلفة ظاهرة متكررة في تاريخ البشرية وفي نضالها في مواجهة الظلم والتعسف من طرف عدو قوي يمتلك أدوات قمع لا يتوانى عن استخدامها لمواجهة المعارضة مهما كانت مطالبها اصلاحية أو جزئية ، ومهما كانت مطالبها عادلة ومشروعة …)[39].
لقد استخدمت القوة الضاغطة للرأي العام في التعميق التربوي للمنطلقات الشرعية الإيمانية ؛ فالتخلف عن الجماعة أمر لا يمكن غض النظر عنه ، ويقول تعالى: }وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{[40] ، وماجرى مع سيدنا كعب بن مالك t إنما هو محصلة لموقف الرأي العام المسلم تجاه تصرفه.
لايتسع المجال لذكر العديد من التطبيقات للحفاظ على الرأي العام من خلال السنة النبوية، ولكن نكتفي هنا بالإشارة إلى قرار النبي r بعدم التعرض لعبد الله بن أُبي بن سلول وقوله r: ((لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه)) ، ومافيه من الحكمة النبوية البالغة ، والنظر الدقيق واستيعاب الظرف وكسب الرأي العام مايضاف إلى سلسلة الإعجاز النبوي في توجيه الرأي العام للأمة والتربية والإرشاد.
[1] - سورة آل عمران ، 52.
[2] - سورة آل عمران ، 81.
[3] - سورة الأعراف ، 157.
[4] -سورة الأنفال ، 72.
[5] - سورة الأنفال ، 74.
[6] - سورة التوبة ، 40.
[7] - سورة التوبة ، 100.
[8] - سورة الشعراء ، 227.
[9] - سورة الشورى ، 39.
[10] - سورة الشورى ، 41.
[11] - سورة الحشر ، 8.
[12] - سورة الصف ، 14.
[13] - سورة البقرة ، 64.
[14] - سورة النساء ، 115.
[15] - سورة النساء ، 139.
[16] - سورة النساء ، 144.
[17] - سورة المائدة ، 49.
[18] - سورة المائدة ، 80.
[19] - سورة المائدة ، 81.
[20] - سورة التوبة ، الآية 71.
[21] - سورة الجاثية ، الآية 19.
[22] - سورة المجادلة ، الآية 14.
[23] - سورة الممتحنة ، 1.
[24] - سورة الممتحنة ، 9.
[25] - سورة الممتحنة ، 13.
[26] - سورة البقرة ، 120.
[27] - سورة البقرة ، 143.
[28] - سورة البقرة ، 208.
[29] - سورة آل عمران ، 31.
[30] - سورة آل عمران ، 68.
[31] - سورة النساء ، 115.
[32] - سورة المائدة ، 49.
[33] - سورة الأعراف ، 3.
[34] - سورة الأعراف ، 157.
[35] - سورة الأنفال ، 64.
[36] - سورة البروج 4- 7.
[37] - وردت قصة أصحاب الأخدود في صحيح مسلم ، كتاب الزهد والرقائق ، الحديث (3005) كما وردت في سنن الترمذي ، كتاب تفسير القرآن ، الحديث (3340) وهناك تفصيلات في تفسير القرطبي 19، ص284.
[38] - من المراجع المفيدة في ذلك ماكتبه أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوند السويدية الدكتور : عبد الهادي خلف، بعنوان : المقاومة المدنية وهو كتيب نشرته مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت.
[39] - عبد الهادي خلف ، المقاومة المدنية (مدارس العمل الجماهيري وأشكاله ، بيروت ، مؤسسة الأبحاث العربية ، 1988، ص61.
[40] - سورة براءة ، 118.
[41] - أحمد بن علي العسقلاني، ابن حجر (852هـ/1449م) ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (256هـ/871م) ، القاهرة ، دار الريان ، ، ط2، 1407/1987 ، كتاب المناقب (61) ، باب ماينهى من دعوى الجاهلية (8) ، الحديث (3518) ، 6 ، ص631.
كتبه : أحمد معاذ الخطيب الحسني
1 رمضان المبارك 1431هـ الموافق 11 آب 2010م
دمشق الشام