في تحليل أدوار النساء في الصحوة الإسلامية المعاصرة الاستناد إلى نموذج ثابت تظهر فيه المرأة كضحية لقهر” ذكوري” وتحيز وقمع ضدها، ويحاول هذا الكتاب الجديد الذي يحوي مقالات و دراسات شتى صدر حديثاً في أكسفوردبانجلترا عن منشورات بيرج لكارين آسك وماريت تيجومسلاند (محررتين) تحت عنوان: “المرأة والأسلمة: أبعاد معاصرة في العلاقات بين الرجال والنساء” أن يفتح آفاق لتفسيرات حول المشاركة النساء الحالية في التحول للأسلمة والحركات الاجتماعية الإسلامية، بحيث تتجاوز التصنيفات الاستشراقية السائدة عن التحول لضحية للدين ورجاله وتزييف وعيها بحقوقها ،فيبحث الكتاب خلال فصوله المختلفة من خلال بحوث ميدانية محاولاً تحليل و فهم الظواهر التي تقدَّم في الخطاب الغربي -العام والأكاديمي- بشكل مشوه تحت شعار الأصولية الدينية، وتسعى المساهمات المختلفة من خلال بحث عدد متنوع من الممارسات الدينية و الاجتماعية الإيجابية في عدد البلدان الإسلامية إلى وصف و فهم الدين كممارسة تحدث في الحياة اليومية، ولهذا تظهر بفعالية في خبرة المرأة المؤمنة، ولا توجد به أوصاف نمطية للحركات الإسلامية مثل نعتها بالتخلف أو السلطوية أو غياب العقلانية، بل المصطلحات المستخدمة في الكتاب عادة هي الإسلامية والممارسات الإسلامية، وهنا محاولة جادة لتحليل السبل التي تطور بها النساء المسلمات أصواتاً مسموعة ومشاركة ملموسة في عملية الأسلمة.
ترتكز الفصول المختلفة على بحوث ميدانية و مشاركة بين النساء في المجتمعات المسلمة من السنغال في الغرب إلى إيران في الشرق، وتسعى المؤلفات إلى تحديد العلاقة المعقدة بين الإسلام و علاقات الرجال و النساء من خلال تحليل يبرز مكانة المرأة في الاجتهاد والفتوى الدينية في حياة النساء و اكتشاف بعض الروابط بين الممارسات الدينية للنساء وبين الخطاب الديني السائد،وتغطّي الحالات المدروسة في هذا الكتاب نطاقاً واسعاً من انخراط النساء في الحياة الإسلامية المعاصرة، فقد طرحت النساء أسئلة من خلال منظور جديد؛ فعلى سبيل المثال الخمار الشرعي الذي عادة ما يقدم كرمز للقهر لأنوثة المرأة و جسدها يتحول إلى تجسيد للقوة، فركزت النساء الإسلاميات على كيفية استخدامهن العمليّ للحجاب للحصول على مساحة للحركة وتوسيع مساحة مشاركتهن العامة وتعظيم تعبئتهن المستقلة في العمل الاجتماعي خارج الحدود المحلية؛ وهي إستراتيجية تكتسب شرعيتها من الخطاب الشرعي الديني.
في الفصل الأول تناقش “آنا صوفي روالد” انخراط النساء في تشكيل ما على مستوى فكري معقد “علم العقيدة النسوي الإسلامي” ، ورصدت الكاتبة المحاولات المختلفة لإعادة تفسير المصادر الإسلامية التي قامت بها نساء مميِّزة بين المسلمات ذوات المرجعية العلمانية، وبين ظهور أصوات إسلامية نساء و رجال تؤكد على الحرية الكامنة في الإسلام تجاه المرأة.
ولقد اهتمت الكاتبة بكتابات عائشة عبد الرحمن /بنت الشاطئ(من مصر) وأمينة ودود محسن(من أمريكا) وأخريات، محددةً محاور للمقارنة بين هذه المساهمات النسائية في تفسير القرآن ومشيرة للقارىء الغربي للتقاليد المسيحية الموازية في التفاسير النسوية للإنجيل.
في الفصل الثاني درست ثريا دوفال الدور النشط للنساء كزعيمات للجمعيات الدينية، حيث ظهرت إلى الوجود كتعبير محلي عن الأسلمة، ومُثلت مشاركة النساء في حركات دينية يسودها الرجال في الغالب. ولقد تناولت الباحثة في بحثها النساء الإسلاميات في مصر إلى أربع مجموعات مختلفة (السلفية- التبليغ- الإخوان المسلمون- الزهراء) مشيرة لاكتساب النساء مكانة على الساحة العامة لأنفسهن من خلال هذه الجماعات.
في الفصل الثالث كان المحور هو ثلاثة دوافع فردية للنساء تجاه تغيير نمط حياتهن وفقًا لتفسير جديد للإسلام، استعرضت ويلهيلمين جونسون تحت عنوان “هويات متضاربة: النساء والدين في الجزائر والأردن” محاولات النساء في هذين المجتمعين لصياغة مفاهيم جديدة لحقوق المرأة تأسيساً على هويتهن كمسلمات، وناقشت الباحثة في الشق النظري والشق التطبيقي -مستخدمة تحليل لمعلومات جمعت في بحث أنثربولوجي- كيفية التعارض المتواصل بين الهويات المتعددة للأفراد، وأن ذلك لا بد أن يؤخذ في الحسبان لدى نظرية تكوين الهوية.
و كذلك استخدمت مارجو بيتلر في الفصل الرابع مثال الحمامات العامة في المجتمع المغربي لمناقشة ظاهرة عدم اختلاط الجنسين مكانياً التي تسود في ثقافات دول شمال أفريقيا، واستعرضت الكاتبة في جزء كبير من مقالته الملامح الرئيسية لتنظيم الأماكن العامة وعلاقتها بالمفاهيم المختلفة للخصوصية، فقد أظهرت الباحثة التناقض داخل الحمامات أكثر- الأماكن العامة خصوصية للنساء، وبحثت تأثير العلاقات الاجتماعية للنساء بعملية التحديث.
في الفصل الخامس أظهرت كاترينا رودفير أنه إزاء تزايد الإسلاميين هناك مسلمون عاديون يتعارضون بقوة ظهور الإسلام في المجتمع، خاصة في الحقل السياسي ،وتركز على نموذج تركيا ،فعلى الرغم من المنع الجزئي لتنظيم العبادة العامة ، وتقييد الحركات الصوفية بشكل خاص، فرغم هذه الظروف المؤسسية غير المشجعة فإن هذا المجتمع يعبر عن فترة من الصحوة حتى داخل التيارات الغير سياسية،ويستند هذا الفصل إلى بحث استطلاعي بين نساء ضواحي إستنبول، مع التركيز على الإستراتيجيات المستخدمة من النساء المرتبطات بالجماعات الصوفية إزاء النهضة الإسلامية في المجتمع التركي المعاصر، وتستكشف الدراسة الآثار المتعددة للإستراتيجيات الدينية من قبل النساء وعديد من المنظمات التي تقدم أطراً مختلفة من الممارسات والشعائر والأزياء..إلخ.
في الفصل التالي ناقشت إيفا إيفانز كيفية أن مساهمة وتأسيس النساء لجمعيات تقليدية ذات أصول صوفية ما زالت مستمرة في ظل الممارسة الشائعة من العبادة، واستندت إلى دراسة النساء في الطريقة المريدية في السنغال. ولقد حللت الباحثة بعناية الممارسات الدينية النسوية في السنغال ، وهذه الممارسات لا تُرى فقط باعتبارها مرتبطة بالمفاهيم والأفكار الدينية السائدة، ولكن أيضا باعتبارها مفسرة لكيفية امتلاك النساء القدرة على مخالفة النظام القيمي بدون تحديه أو حتى الجهر بمحاولة تغييره.
ويستعرض الفصل الأخير كيفية تشجيع النظام الديني في إيران لمشاركة النساء في الجمعيات الدينية ذات الأصول التقليدية العامة، ويوفر لهن تعليماً دينياً رسمياً(في الحوزات) مؤهلاً لتوليهن مناصب قيادية دينية في هذه الجمعيات. فلقد درست زهرة كمالخاني النشاط الديني للنساء في إطار يجمع بين الإسلام التقليدي والتحديث في إيران، وافترضت الباحثة أن الأسلمة المعاصرة تقدم نموذجاً خاصاً من التفاعل مع الحداثة. واستعرضت بعض نتائج هذه العملية على تعبئة النساء سياسيًا واجتماعيًا في إيران حالي.
لقد عرضت الفصول المختلفة كيف أن الحدود بين التراث والمعاصرة في حياة النساء المسلمات النشطات ترسم الآن بطرق جديدة و مركبة؛ مما يعضد دوراً نسوياً متزايداً، والعديد من الممارسات الإسلامية تبرز بشكل معاصر وتؤكد على مكانة و تفعيل المرأة والاستقلالية من خلال طرق تتحدى الأوضاع التقليدية السائدة و تستند للإسلام في أصوله.
ويبدو واضحًا في مختلف الدراسات كيف أن نتائج انخراط النساء في العمل الاجتماعي تعتبر جزءاً من تعديلهن الفعال لأنماط حياتهن لتلائم احتياجاتهن وتوقعاتهن في الحياة. ولقد أظهرت كل الدراسات اتجاهات متزايدة لدى النساء تجاه المشاركة في الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية خارج نطاق الحياة الخاصة، وفي مجالات كانت غير متاحة لهن إما عن طريق الوجود المادي الملموس مثل المساجد والهيئات الاجتماعية، أو المجال الفكري مثل تعلم العلوم الشرعية و تدريسها، وأظهرت الفصول المختلفة انخراط النساء المسلمات بصورة فعالة في مجالات المشاركة العامة، وبطرق لم تكن متاحة لهن من قبل، وتحت ظروف يخترنها بأنفسهن بحرية و إرادة، ولقد وصفت العديد من الفصول مدى فعالية النساء في المعاملات؛ حيث يحصلن على قروض ويسعين لتحقيق منافع من أنشطة شرعية.
و يتراوح تأثير النساء الإسلاميات بين المستوى الفكري و السياسي المتميز كما في حالة مصر وإيران وحتى أصوات النساء في الأوساط العامة كما في حالة تركيا والسنغال.
وقد وصفت حالات الدراسة المقدمة في هذا الكتاب كيفية تطوير النساء لأوضاع تدفع نحو تغيير الأنماط التقليدية السائدة في مختلف المجالات باسم رؤية تجديدية إسلامية، وذلك باستثمار أنشطتهن الدينية. ويعد هذا الكتاب إسهاماً متميزاً لفهم ثقافة النساء المسلمات، فقد ركز على دراسة أقل الجماعات الاجتماعية تحليلاً وقابلية للدراسة والتعميم ووضع الصورة الذهنية المسبقة محل نقد ، وقد أضيفت أبعاد أخرى لدور النساء داخل إطار أوسع من عملية الأسلمة، وأظهر تنوعاً ضخماً وثراءً في الثقافة والطبقة والعرق بين المجتمعات الإسلامية، بالإضافة للتنويه لوجود اختلاف بين المجتمعات العربية و سائر الدول الإسلامية في تاريخ الاستعمار والتصنيع والتحضر والتحديث والعلمنة، وبالتالي رؤية المرأة ودورها وفهم وتفسير النص الديني بشأن قضاياه.