وفاة العالم المجاهد المربي محمد نمر الخطيب نزيل المدينة المنورة
نعت رابطة العلماء السوريين فضيلة الشيخ العالم المجاهد المربِّي محمد نمر الخطيب الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد حياة حافلة بالعطاء والعلم والجهاد عن عمر يناهز المائة عام في المدينة المنورة عشية عيد الأضحى المبارك ليلة الثلاثاء العاشرمن ذي الحجة عام 1431.
وُقد وُلِدَ الشيخ - رحمه الله تعالى - في حَيفَا، ثغر فلسطين .
وتعدُّ أسرة آل الخطيب مِن أعرَقِ الأسر العَربيَّةِ لانحدارهَا مِنَ العِتْرَةِ النَّبويَّة .
تسنَّم أجَداده نَقابَة الأشَرافِ وَمَقَاليد الإفتَاء وَمَقَام الإمامَة وَذروَةِ المنابِر.
أتَمَّ تعليمَه الثَّانَوي في حَيْفا وَعكَّا، وَأكمَلَ تحصيلَه بالجامعِ الأزَهَر الشريف وَكليَّةِ أصُول الدِّين في القَاهِرَة.ومن كبار شيوخه الذين أدركهم : محمد بخيت المطيعي ، ويوسف الدجوي ، وإبراهيم السمالوطي .
وَلَدَى رُجُوعِهِ لوطَنِهِ رَاعَهُ مَا فَعَلَ المُسْتعَمر بالبَلَدِ المقدَّس فَاشْتَغَل في مَيَادينِ الدَين وَالعِلمِ وَالسّيَاسَةِ، كَاتباً وَخَطِيباً وَمُرْشِداً وَمُعَلِّماً، فأنْشَأ عِدَّة جَمْعيَّات وَتَوَلِّى عِدَّةَ مَنَاصِبَ مِنْهَا:
أنشأ في حيفا جمعية الاعتصام، وكان لهذه الجمعية الأثر الكبير في إرسال عدد من الطلبة إلى الأزهر، عادوا علماء تولوا الأمر بعد ذلك، كما أنشأ في حيفا مدرسة ليلية، هذه المدرسة رسم لها الشيخ منهجاً خاصاً بالإضافة إلى تعليم الكتابة والقراءة والتاريخ الإسلامي، تدرس التوجيهات الإسلامية، بهدف معين لأن اليهود بدأوا بالانتشار والانجليز صارت لهم الصولة والجولة؛ إذن لا بد من تربية جيل يتحمل التبعات التي ستلقى على كاهله، كما تولى الشيخ جمعية الأوقاف والمعارف الإسلامية في لواء حيفا كلها، وبقي في حيفا من سنة 1939م إلى سنة 1948م ولما اشتد عود الشيخ قامت الحرب في فلسطين فنادى الشيخ بنداء الجهاد، والتف المسلمون حوله من لواء حيفا وغيرها وخاض المعارك قائداً للمجاهدين لما حواه من صفات القيادة الدينية والاجتماعية والسياسية وكان يرجع إلى بيته ويفتح قميصه ليخرج الرصاصات منه ولم تخترق جسده سوى خمس رصاصات، بقي ثلاث منها وواحدة بدأت تتحرك قبل سنوات .. رحمه الله.
تولى مَنْصِبُ الأمينِ العَامِ للجَبهَةِ العَربيَّةِ العُليَا. واختِيرَ وزيراً للدِفَاع وَالدِعَايَة في أولِ وزَارَة ثوريَّة عَقِب الانتداب.
دَخَلَ السِجْنَ والاعتِقَالَ وَتَوَلَّى حَرَكَةَ الجهَادِ حَتَّى سنة 1948.
في إحدى المعارك سقط الليث جريحاً، ونقل الشيخ من حيفا وهو منهبط إلى بيروت وسمع رئيس الجمهورية السورية آنذاك شكري القوتلي بالشيخ فأرسل إليه طبيبه الخاص الذي قرر نقله إلى دمشق ليتولى علاجه في دمشق ونقل الشيخ من بيروت إلى دمشق، وكتب الله تعالى له الشفاء وتوطدت العلاقة من تلك الساعات بين الشيخ وبين رئيس الجمهورية في دمشق وقد تنوعت نشاطات الشيخ في دمشق العلمية والدعوية والجهاد، فدرس في مدارس عنبر (1) كما درس في الكلية الشرعية وفي المدارس الثانوية واتخذ من إذاعة دمشق منبراً فكان له برنامج يومي بعنوان من هدي القرآن وآخر عن نكبة فلسطين وأسس لجنة للاجئين وكان رئيسها الفعلي وإن كان يرأسها في الظاهر رجل من أهل دمشق من آل المالكي، وألف كتابيه (من هدي القرآن)، (ومن أثر النكبة) وطُبِعَا في دمشق.
انتسب الشيخ إلى جمعية التمدن الإسلامي وكان من أعضائها النشيطين، وكتب في مجلتها عشرات المقالات.
وقد أوفده رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي إلى الحج وحمله رسالة خطية إلى الملك عبد العزيز آنذاك، كما كان الشيخ أحد أعضاء وفد التهنئة في قيام باكستان وكان ذلك بمشورة وطلب الشيخ من رئيس الجمهورية آنذاك، ولكن مدته في دمشق لم تدم سوى ثلاث سنوات وبعض شهور، لأن الإنقلاب العسكري أخرج رئيس الجمهورية فخرج الشيخ عام 1951م، إنتقل الشيخ إلى بغداد ودرس في جامعاتها، كما تولى الخطابة في جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى، واستمر في ذلك، وبالمناسبة كان الشيخ وما زال خطيباً يهز المشاعر وكان إذا خطب في مسجد الإستقلال أو المسجد العمري، يَهز حيفا بكاملها، هكذا كان الشيخ، عاد الشيخ من بغداد إلى بيروت، وأسس جمعية الرابطة الإسلامية، وأنشأ مدرسة الفتح الإسلامي، والتي صارت تسمى فيما بعد ثانوية الإمام الأوزاعي، ثم عاد إلى بغداد مرة أخرى مدرساً في جامعتها وخطيباً أيضاً في مسجدها العامر، وفي عام 1402هـ إنتقل الشيخ وشد رحله إلى الحجاز إلى المدينة المنورة ودرس الشيخ في الجامعة الإسلامية وأكرمني الله بصحبته في كلية التربية، ومن ذلك التاريخ توطدت العلاقة بيننا من جديد، وما إن انتهى الشيخ من التدريس في كلية التربية حتى فتح باب بيته مرة ثانية ولم يغلق، بل فتحه على مصراعيه لطلبة العلم من بعد العصر إلى بعد العشاء يومياً، وفي دروس مختلفة ولطلاب مختلفين.يحضر مجلسه علماء أفاضل منهم من يقارب سنه سنه، ومنهم من لا يزالون في ريعان الشباب.
الشيخ مع حرصه صارت له علاقات مع عدد من المستشرقين لأن الشيخ سافر إلى ألمانيا وعدد من الدول الغربية بالإضافة إلى الدول العربية التي زارها، حيث درس في ليبيا وفي تونس وذهب إلى المغرب.
الشيخ إضافة إلى العلم، حباه الله بصفة الكرم، وقلَّ أن يأتي عالم في السنوات العشرين الأخيرة إلى المدينة إلا ويتحفه الشيخ بوليمة اوسنا خجلاً لأننا لا نستطيع أن نجاريه، الشيخ في كرمه ينبع من ذاته لا ينبع من ثوبه أو م يجاريه فيها أحد.
هذا الشيخ عركته الحياة فخرج ذهباً صرفاً، وخلقاً نبوياً، خرج وهو دائم الذكر، دائم الفكر مستديم التلاوة، قل أن يركب في السيارة وهو يغفل لحظة واحدة، أو يقف لسانه لحظة واحدة إلا وهو تالٍ أو ذاكر أو داعٍ، هذا هو الشيخ رحمه الله ومع سنه الكبير وأشغاله الكبيرة المتواصلة وأعماله الكثيرة، إلا أنه كان مكثراً من التأليف قاربت مؤلفاته على أربعين كتاباً وإن كان قد طبع منها عشرون كتاباً، وصلته بالعلماء من مختلف أقطار العالم الإسلامي مستمرة .وخلاصة القول فالشيخ شخصية إسلامية كبيرة، جمعت صفات متعددة، كل صفة تصلح ليظهر بها متصفها ومن هنا كان له التأثير الكبير في أغلب المجتمعات التي حل بها، وإذا كان الله تعالى قد أكرمه بطلب العلم ثم بالجهاد العسكري ثم السياسي، فإنه كان رأساً في جهاده العلمي والفكري والسلوكي والاجتماعي رحمه الله.
من مؤلفاته : 1- من هدي القرآن.2- أحداث النكبة.3- من أثر النكبة.4- الإيمان طريقنا إلى النصر.5- المدخل لدارسة النطق.6- حقيقة اليهود والمطامع الصهيونية.7- فلسفة الحج.8- مرشد الدعاة.9- الإسلام دين هداية.10- أبحاث تمهيدية في العقيدة الإسلامية.11- من نور الإسلام.12- موقف الدين من العلم.
أصيب بمرض حال دون لقاء مُحبِّيه به منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى أن لقي ربه ليلة عيد الأضحى
نسأل الله أن يتقبَّله في عباده الصَّالحين ،وأن يرفع درجته في المهديين،وأن يخلف له في عقبه في الغابرين، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
بتصرف عن موقع رابطة علماء سورية، ومحاضرة تكريمه في الاثنينية المنشورة في موقع أحباب الكلتاوية.
كما توفي في دمشق في نفس الوقت الرجل الفاضل محمد أنور المفتي عضو الهيئة العامة في جمعية التمدن الإسلامي، وسليل العائلة التي بنت عشرات المساجد في دمشق وماحولها.
نسأل الله أن يتقبله في الصالحين.