مقال للأستاذ عبد السلام بسيوني
لانوافق أبداً على عنوان المقال: كفاك تشديداً يارسول الله لأننا نرى أن مقام النبوة أعظم من هذا الابتذال ، كما لانوافق على بعض مضامينه، كما نرفض استخدام اللغة العامية الذي هو نوع من الضعف الذي بدأ يتسلل حتى إلى بعض الكتاب الإسلاميين، ورغم ذلك فإن المقال جدير بالقراءة …………. إدارةالموقع
أغبى غشاش هو الذي يغش نفسه، وأخون خائن هو الذين يخون مصالحه ومصالح أهله وقبيلته/ وأضيّع ضائع من يضيع دينه، ويهدم عقيدته؛ من أجل حفنة دولارات، أو مجلس أنس، أو صورة في جريدة/ وأضيع منه من يفعل ذلك “ببلاش” ربما لصالح شيطان من شياطين الإنس، أو شياطين الجن، لأنه - بذلك - سيكون قد خسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.
أفسد مستورد - في زعمي - هو من يستورد أفكارًا تسمم العقول، وتفسد القلوب، فتجعل الزنا فضيلة، والاستقامة انغلاقًا، و”الصياعة” شطارة، وشرب الزفت حضارة، وسب الدين حرية ومدنية ونورًا في العقل. أكبر مزور ليس هو الذي يزيف الشلن والبريزة والنص يورو، بل هو الذي يزور تاريخ أمته لحساب تاريخ غيرها، فيهيل السخام عليه، ويطفئ كل نقطة مضيئة فيه، وينكر كل معروف، ويسوئ كل حسنة.
ولقد قمنا بهذه المهمة - سيدي يا رسول الله - حق القيام، فلعنّا الصحابة، وسببنا التابعين، وشنقنا الأئمة، وسخرنا من الشعائر، وصرنا الخلف الفاسد الذي “يجلب لأهله اللعنة “!
أتعرف - سيدي يا رسول الله - ماذا غيّرنا أيضًا؟ ستعرف قطعًا عند لقائك بأمتك على الحوض، حين تذود الملائكةُ المبتدعةَ، والكذابين، والآكلين الجيف المتعفنة يزعمونها الطعام الهنيء المريء. أتعرف ماذا غّيرنا؟ آخر وصية عامة عظيمة، وأول ميثاق محترم، واضح الملامح، صريح العبارة، عن حقوق ” اللي كان إنسان “.
***هل قلت فيها يا سيدي بحرمة الدماء والأموال والأعراض؟ وهل جهرت في الموسم لكي يُسمع الشاهد الغائب: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم”؟
آه لو رأيت يا سيدي يا رسول الله أن دم المسلم في القرن الحادي والعشرين لا يساوي فلسًا، وأنه يدفن في مقابر جماعية توفيرًا للرصاص، ويقطع بالخناجر والسكاكين تأخيرًا للخلاص، ويصاد في المحميات الطبيعية (المتحضرة ) بالبنادق ليستمتع بذلك أبناء الحرام!
أتصدق يا سيدي يا رسول الله أن أطفال المسلمين في كوسوفا والشيشان تجمدوا في برد الشتاء تحت درجة الصفر بكثير كثير، وأن جنائز أطفال ونساء ورجال العراق كانت تخرج طوابير طوابير؟
أتدري أن أموال المسلمين هي أهنأ المال مطعمًا، وأقرب المال مأخذًا، وأسهله منالاً؟ أتدري أن المال المسلم يقع دائمًا تحت طائلة التجميد أو السحب أو الشفط أو الهبر، حيث بعض البشر يتعاملون بالاثني عشر صفرًا، والمجموع مفلس يعجز عن شراء بنطلون، أو جوز جزمة، أو علبة سريلاك؟
***هل قلت إن الأعراض حرام يا سيدي يا رسول الله؟
ما أطهرك: إنها على قفا من يشيل! إنها أرخص من اللحم العجالي! اللحوم البشرية البتلو تعرض رخيصة - بل مجانية - في مناخس الإعلام “الحريف” الذي يتقن التجارة باللحم الأبيض الرخيص، وتبرَعُ قنواته في أشكال التغني والتثني، والتعري والتجلي، والصهللة والزغللة، وتعرضها الفضائيات (القوادة) على أطباق شهية، متبلة بالألوان والأصوات والمؤثرات، مسموعة ومقروءة ومرئية، بصوت دولبي، صورة 3 D، رخيصة غير مدفوعة الأجر، إلا من الدين والمروءة ويقظة الوعي والإحساس!
فإذا قال إنسان حزين على المروءة: عيب وحرام، قالوا: اخرس يا جاهل، ما العيب في ذلك وما الحرام؟ الفن حلو، وساعة الحظ لا تعوض، والله تعالى جميل يحب الجمال. إنهم يلبسونها ثوبًا شرعيًّا يا سيدي يا رسول الله، ويجدون من المتعالمين الأدعياء رخصًا مبيحة تعطي هذه اللحوم الرخيصة دستوريةً تغلق الأفواه، وتسد المنافذ، وتجفف المنابع.
الدم المسلم يا رسول الله أرخص من البيبسي وماء الريان، والمال المسلم وديعة في يد القرصان، والعرض المسلم عليه السلام.
لا أملك إلا أن أذكّر بها يا سيدي، لا أستطيع إلا أن أجهر بما جهرت به في خطبتك الوداعية قبل إحدى وثلاثين سنة وأربعمائة وألف: [إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟] أقولها يا سيدي وأنا أعلم أن صوت أهيف محطة تليفزيون أعلى من صوتي وأصوات مليون مثلي.
***وهل تحدثت يا إمامي وسيدي وحبيبي وقائدي عن الأمانة وعن الربا؟
ياه… إن الأخلاق تتبدل يا شفيعي، فالعصر غير العصر، وأنت يا سيدي موضة قديمة، وفكر “قروسطي” والرزق يحب “الخفية”!
المنطق يا رسول الله: اهبر واهرب، والخيانة تتلفع بعباءات غَرور، وتتقنع بأقنعة محبوكة مقنعة، هناك شيء اسمه العمولات والإكراميات والنسبة والسمسرة والهدية، والمال المسلم نهيب “ويا بخت من نفع واستنفع” والصحافة - حرسها الله - ترش الألقاب المجيدة، والصفات الحميدة بغير حساب.
لقد اقترب الزمان الذي نبهتنا إليه منذ أربعة عشر قرنًا يا سيدي: الزمن الذي يعز فيه الأمناء، حتى يقول الرجل لصاحبه: “إن في بني فلان رجلاً أمينًا، فاذهبوا إليه” سيكون الأمين أعز وأندر من فتاة بكر في أوروبا، رغم أن درجة أمين شائعة في الدنيا كلها: أمين حزب، وأمين مجلس، وأمين مؤسسة، وأمين سر، وأمين شرطة، وأمين خزنة، وأمين هنيدي… رحمهم الله أجمعين، ورحمنا منهم.
سيأتي هذا الزمان قريبًا يا سيدي يا رسول الله إن لم يتداركنا ربنا الرحيم برحمة منه، ويغير ما بنا من حال لا يسر إلا كل منحرف مجرم فاسد وابن حرام.
لقد داست الخيانة على الأمانة يا سيدي يا رسول الله: خيانة الدين، وخيانة الأمة، وخيانة الودائع وجحد الأموال، خيانة العيال وأم العيال، لكن الذكرى تنفع يا أمين الأرض: (فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوعٌ، وإن …)!
هل قلت ربا؟ هل تتحدث عنه؟ وما لنا وللربا؟ إنه ليس موجودًا بيننا، نحن أشرف الناس، إن عندنا فائدة.. عندنا عوائد، عندنا رساميل بنوك، وكلها حلال زلال، وآكلوها راضون بها، مطمئنون لها، مستريحون، والرديء والخبيث والممنوع يا سيدي هو الفقه الرجعي، والمشايخ المتزمتون - شيوخ البنوك - الذين يصفون كل شيء بأنه حرام.. حرام.. حرام، حرام عليهم.
يا سيدي يا رسول الله: الاقتصاد العالمي كله يسير بالربا - الذي حذرت منه - من كيب تاون جنوبًا إلى كيبك شمالاً، ومن طوكيو شرقًا إلى واشنطن غربًا، والفوائد ترفّ على أباطرة البورصات، وجورج سوروس ضرب بالربا - بمهارة اليهود عبدة الذهب - أسواق ماليزيا وأندونيسيا والنمور الآسيوية أكبر تجمع مسلم في الدنيا كلها، وبعدها - ومنذ عامين - سقط الاقتصاد العالمي بالضربة القاضية الربوية! ومصارف اليهود تنبعج، وخزائن سويسرا تنتفخ، وخيرات المسلمين تشفط لآخر دانق. لقد صنعنا - من حرصنا على الإسلام - ألف صورة من صوره، والبنوك تنشر في الصحف المسلمة يوميًّا أسعار الفائدة، وحركة الأسهم، وسعر آخر إقفال.
***هل كان أول ربا وضعته يا سيدي ربا عمك العباس في جاهليته؟
أنت رحيم يا رسول الله، أنت الرحمة المهداة، لكن هل سمعت عن المصيبة الجاثمة المهداة؟
اسمها البنك الدولي وصندوق النقد يا سيدي: إنهما يقاسماننا اللقمة، والفكر، والسرير، إنهما يأخذان الفوائد مركبّة مضاعفة: فائدة مالية تقصم ظهور الدول والشعوب، إضافة إلى الفوائد الأخلاقية، والفوائد السياسية، والفوائد العقيدية التي تصب لصالح آل سكسونيا.
إنهما لا يكتفيان بالفائدة المالية، بل يتحدثان في صلب الدين والعقيدة، وعن ضرورة سب النبي، وانتهاك المقدسات، وحرق القرآن، وعن ختان النساء، والحرية الجنسية، وتطوير البرامج الإعلامية، والمقررات المدرسية، والاختلاط، وماذا نأكل، وكيف نلبس، وكم نفسًا نتنفس. هل هذا من عمل البنوك يا سيدي؟ نعم، اعملوا كذا وإلا خربنا بيوتكم، ولن نجدول ديونكم، ولن نرقب في أطفالكم إلاًّ ولا ذمة!
البنوك الصغيرة تحجز الأموال لاستيفاء حقوقها، والبنك الدولي يحجز على أرصدة الشعوب، ومناهج التعليم، والمقررات الدراسية وبرامج التليفزيون، والقيم والأخلاق.. وقبل ذلك كله العقائد الدينية!
أرأيت نتيجة الربا يا سيدي يا رسول الله؟ أرأيت بركاته ونفحاته؟ إن تحريم الربا صار رجعية وتزمتًا يا رسول الله؛ رغم ما يراه كل مبصر من كوارث! ليس آخرها انهيار الاقتصاد العالمي، وسقوط حيتان اقتصادية صارت فئرانًا، وإفلاس البنوك الكبيرة، وتدهور الاقتصاد اليورو أمريكي، وقد تكرر انهيار العملات حتى صارت قيمة بعض الجنيهات الألف بدولار واحد، وأصبحت بعض الليرات “الكبشة بنص جنيه”.
***وهل وضعت تحت قدميك يا سيدي مآثر الجاهلية وأهدرتها؟ إننا نقفز الآن فوق التاريخ الإسلامي كله لنعانق “مآثر الجاهلية ومخازيها” الجرائد والأفندية والخواجات المحليون يتحدثون ليل نار عن البربرية الأمازيغية، والفينيقية اللبنانية، والكنعانية الفلسطينية، والطورانية التركية، والفرعونية المصرية، وعن عبادة العجول والثعابين، وعشتار وإينال، وحورس وهانيبال، وحضارة الرافدين وأوال، وعن جلجامش وتحتمس، وبلقيس والأسود العنسي، عن الأساطير الأشورية التي لا تزال حية في ضمائر الناس وسلوكهم، وتعمل لذلك مؤتمرات، وتصدر دوريات، وتبرمج مقالات، وترفع مؤسسات.
تاريخ الجاهلية يكتب من جديد بحروف من ذهب، تاريخ الوثنية والعبودية ونكاح المحارم والقرابين البشرية، وعبادة الملوك، والسجود للجواميس يعود من جديد تحت مسمى الحضارة والاستنارة وأمجاد الأسلاف.. أما تاريخ أمتك يا سيدي يا رسول الله ففي رحمة الله، صرنا نشرب عليه القهوة السادة في سرادقات التنويريين والحداثيين ودعاة تطوير الدين!
*** وهل تحدثت يا سيدي وحبيبي المصطفى - صلوات الله وسلامه عليك - عن استدارة الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض؟! لقد استدار ثانية يا سيدي، لكن ليعود إلى عهد الرومان بجلاّديهم ومصارعيهم الذين كانوا يتقاتلون حتى الموت، وبحيواناتهم المجوّعة، القرمة للحم البشر، وباضطهادهم المؤمنين..كانوا يضطهدون أصحاب عيسى عليه السلام ثم تحولوا لاضطهاد أتباعك وأمتك يا سيدي.. عادوا لينتشوا بمرأى الدماء وهي تفور، والنفوس وهي تضطرم بالرعب وتمور، والدين وهو يهان ويداس، والشعوب وهي تحاصر وتجاع!
لم يعد عندنا نسيء يا سيدي، فقد نسأنا التاريخ كله، صار تقويمُنا جريجوريًّا، وصرنا نؤرخ بمارس إله الحرب، وجونو ربة الأرباب، وبالقديس أغسطس، وبآذار بتاعة الربيع.. صرنا خواجات القلوب والمقاصد، نتسمى بحسن وأحمد وعيشة، وقلوبنا ذائبة في حب جون وإدوار وميري.
نسينا يا سيدي الأشهر الحرم، وعيد الأضحى، واحتفلنا بالكريسماس، وعيد الشكر، وأول إبريل، وذكرى سانت فالنتين!
لقد تبدلت كيمياء عقولنا، فباتت العروبة عارًا، والإسلام إرهابًا، والأخلاق تخلفـًا، صرنا شرق أوسطيين، وبحر متوسطيين، وأفارقة وآسيويين، فالمهم ألا نكون مسلمين.
***هل تحدثت يا سيدي عن نسائنا العواني، وعن حقهن علينا؟! آه يا سيدي لو رأيت (العوراء والجرباء وأم رجل مسلوخة) وقد رفعن أسنمة البخت فوق الرؤوس، ووضعن اللبانة في الأشداق، والعدسات الملونة في الأحداق، وزجّجن الحواجب، وهززن القدود، وسرن بين خلق الله التائقين، كاسياتٍ عارياتٍ مائلات مميلات، متديّكات متحذلقات، وقد برزت لهن عضلات ومخالب، وتعلمن المصارعة والنزال. وأبرزت كثير منهن (المواهب) في الفضائيات، يتحدين بها الرجال! بزأرة أسدٍ وصولة خنزير بري! وقد علقن على الجباه شعارات رفض الإسلام، ونبذ العفاف.. والحرية الاقتصادية، وسلاسة العلاقة الإنسانية!
آه لو رأيت الدنيا تتسع لكل أحد - حتى الشواذ وعبّاد الشيطان - إلا الملتزمين والملتزمات! آه لو رأيت جرأة الراقصات، وسطوة الكاتبات، ورزالة المسقَّفات! آه لو رأيت انهزام الحجاب وخجلة النقاب، وعزةَ الهوت شورت والبودي والميني سكيرت وبدلة الرقص البلدي!
آه يا سيدي!لم يعد الستات عوانيَ عندنا، بل صرنا نحن الأسارى عندهن! لقد رأينا ليدي تاتشر تنهي وتأمر، وتشخط وتنطر! ورأينا بنت أولبرايت تضرب بالشلّوت، وكوندوليسا وهي تشير بطرف إصبعها للشنبات، وميركل والست كلينتون تصفع أقفية أرباب العضلات.. لم يعدن ينتظرن الإذن يا سيدي.. فحق المدام دستوري في أن تروح وتجيء، وتسافر وتتفسح، ولم يعد لبعلها الطرطور حقٌ حتى في أن يقول لها “كنتي فين يا بت”؟.
صار التعدد يا سيدي حرامًا، والحجاب حرامًا، ولزوم البيت حرامًا، وطاعة الزوج حرامًا، والعفاف حرامًا، بل يزعم مقصوفات الرقبة أن الله - تعالى وجل - قد ظلمهن حين أعطى الرجل القوامة، ونصّفهن – كما يتوهمن - في الميراث، وقيدهن في الشهادة. صارت إحداهن يا سيدي تطالب بأجرة عن عمل السَّلطَةَ، وترتيب السرير، وصبّ القهوة لضيوف زوجها!
آه يا سيدي المصطفى: أخاف أن أرفع صوتي فتسمعني نفيس صادق، أو تقرأني غادة السمان، أو تحس بي نوال السعداوي، أو تقرأ لي فاطمة مرنيسي.. وأنا أجبنُ من أن أواجههن، وخلفهن ميكروفونات وكاميرات وتليفزيونات ووكالات أنباء تشتهي الشماتة بالمسلمين وتجريسهم.
هل أوصيتنا بهن خيرًا يا حبيبي؟ فمن يوصيهن بنا الآن؟! من يوصيهنَّ بنا وهنَّ لا يسمعن لرسول، ولا يستجبن لنصيح، ولا صوت عقل، ولا نداء فطرة، بل تقودهنَّ عدوات أنفسهن يا سيدي! تقودهنَّ نساءٌ معقدات، تبرأن من الأنوثة، وانخلعن من الحياء، وفشلن كل الفشل أن يكون لهن بيوت وأسر مثل كل البشر، فقررن أن يسقطن كل البيوت؛ بمنطق عليّ وعلى أعدائي يا دليلة.
أعيدها يا سيدي تجديدًا للبلاغ عنك:
[إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهنَّ حق: لكم عليهنَّ ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنَّ وتهجروهنَّ في المضاجع، وتضربوهنَّ ضربًا غير مبرح.. وإنما النساء عوانٍ عندكم، لا يملكن لأنفسهنَّ شيئًا، أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء.. واستوصوا بهنَّ خيرًا].
***وهل قلت يا سيدي: إنما المؤمنون إخوة، وإنه لا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه؟! لقد صار ذلك شعارًا انتخابيًّا، وعلكة إعلامية، ولافتةً للتخدير والتهدئة، المؤمنون ليسوا إخوة يا سيدي، وليسوا سواء، ولا كأسنان المشط؛ إنهم يتفاوتون بحسب اللون: لون البشرة، ولون التابعية، ولون جواز السفر. ويتفاوتون بحسب الانتماء: الانتماء للحزب، والرابطة، والعرق والصالح المعلنة والمستترة.
يتفاوتون بحسب انتفاخ الجيوب، وعدد أصفار الرصيد، ويتفاوتون بحسب عضلات بابا، ونفوذ أنكل، وقرابات تيته، وأصحاب طنط فيفي!
صار مال الأخ يا سيدي حلالاً طيبًا!”بكيفه” أو رغم أنفه: نشفطه، أو نسرقه، أو نوظفه، أو نعطيه فوائد عليه! وساد في الدنيا كلها قوانين التسليك (راعيني وأراعيك) خصوصًا لو كان هذا الأخ ضعيفًا، أو قريبًا، أو حييًا، أو صاحبَ عيال، أو واقعـًا تحت وطأة ظروف قاهرة، تجبره على أن يريق ماء وجهه، يقبل الضيم، ويعمل “مرمطونًا” بدل ذل السؤال وإلحاح العيال!
وهل التقاتل وأذى المسلم خطيرٌ لدرجة أن يوصف فاعله بالكفر؛ ولو مجازًا ؟! (فلا ترجعُنَّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)!
ستعرف يا سيدي يا رسول الله أن من المسلمين الرحماء المتحضرين من يذبح أخاه - باسم الإسلام - من رقبته كما تذبح النعاج، ومنهم من “يتعنترُ” على النساء والصبيان، ويتفرعن على الضعفاء والمقهورين.
ستعرف أن مائة ألف نفس مسلمة في بلدٍ واحد اسمه الجزائر ذُبحوا والله يا سيدي - بنفس أسلوب هولاكو والعسكري الأزرق وعبدة الشيطان - ذُبحوا في بضع سنين باسم الدين، أو باسم مكافحة المتدينين.. وأن عشرة أضعافهم في أرجاء عالم الإسلام سُجنوا، وعذبوا، وأوذوا باسم المحافظة على المكتسبات (الدم قراطية) والمنجزات (الإيش تراكية) والسياسة (الحِزنيّة) وكلهم يا سيدي بلا حول ولا طول ولا قوة!
ستعرف يا سيدي أن الدنيا لا تقوم إلا على العنصرية، وعلى التفاوت، وعلى هضم الحقوق، وسفك الدماء، وتجبّر الأقوياء، وانسحاق الضعفاء.
إننا نعيش يا سيدي في زمن شعاره: إذا لم تكن ذئبًا مزقتك الذئاب زمن الحصار الجوي والبري والبحري على الشعوب حتى تركع وتحني الرقبة، زمن شِعب أبي طالب في الجاهلية المعاصرة ضد العراق وسوريا، وليبيا ونيجيريا، وأفغانستان والسودان، وكشمير والقرن، وسائر العالم الإسلامي الكسير.
نحن في عالم لا مكان فيه يا سيدي للشعراء والعصافير، والفل والياسمين إلا في الأفلام والأحلام!
أبونا آدم خلق من تراب يا سيدي أعلم! نعلم! كل الدنيا تعلم: كلنا من أصل واحد، لكنّ فينا من يزعمون أن الله عجن طينتهم بالمسك والبنكنوت والنور! وأن غيرهم معجون بالقطران والوحل وماء البرك، رغم أن القوانين تسوّي، والشريعة تسوّي، والعقل يسوّي، والشعارات تسوّي.. لكنها تبقى في النهاية شعارات.
***هل قلت يا سيدي: إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟! أكرمنا الآن أطولنا يدًا، وأعلانا صوتًا، وأدفؤنا جيبًا.! أما الآخرون - مهما شرفوا - فعرَاضٌ الأقفية، لا يزِنون أمام القانون جناح بعوضة!
***وهل قلت - يا سيدي - ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى؟!
إن المعادلة مقلوبة الآن! نحن في زمان نود لو أن نستطيع فيه أن نقول: ليس لعجمي فضل على عربي.. ولا لسكسوني على ملون، ولا لآري على زنجي: فالعجم هم الأعلون! هم الذين يُخطب ودهم! ويراعى (خاطرهم) ويطلب منهم النظرةُ المدد! صدقني لو قال أحدنا: مدد يا سيدي بوتن/ مدد يا ست ميركل/ مدد يا سيدي باراك، لوصله المدد في الحال مما لا يرضي الله تعالى، ولا ينتهي بالعافية!
يا أمم يا متحدة! يا عم بان كي قمر، يا ست هيلاري: لا فضل لعجميٍّ على عربي، ولا أميركي على عراقي، ولا اسكتلندي على ليبي إلا بـ.. (بلاش) الدين! إلا بالرحمة، والآدمية، واحترام حقوق الإنسان، وعدم إهدار الأرواح..
***هل قلت يا سيدي: الولد للفراش وللعاهر الحجر؟! أولاد الحرام الآن كثيرون! نصف سكان بعض الدول المتقدمة أولاد حرام! حتى في بلاد المسلمين ارتفعت نسبة أولاد الحرام! وصار الأخ العربي الأبي يسمى ابنه (بوش) يا سيدي، ويسميه لينين وستالين وغاندي! لقد صار جمال جيمي، ويوسف جو، وعماد دودي.
آه! نعم يا سيدي! هل تركت فينا ما إن أخذنا به لن نضل بعده (كتاب الله)! نحن يا سيدي نعظمه، ننص على أنه أساس الدستور، ونشجع قراءته على الموتى، وكتابته حروزًا وتمائم، ولوحات وشعارات! لكن الدنيا تتغير يا رسول الله! القرآن بركة، وذكرى حلوة، وخيرُ ما نستهل به البرامج؛ أما أن يحكم الحياة فيعقدها، والمصالح فيعطلها، فلا.. (كفاية عليه) المقابر والمآتم، سيجلب لنا الصداع، ويقول: إن كذا حرام، وكذا ممنوع، وكذا مكروه!هل نلغي المنجزات “الحدارية” التي ناضلنا لها لأجل عيونه؟!
هل نعطل البنوك، ونغير مناهج التعليم، ونحجب النساء، ونفكر لأنفسنا، ونقاوم الفساد، ونرفض الذلة؟! هذا صعب يا سيدي، إذ (سيزعل) منا أبو البركات، وأم المراكل، وبيبي نتنياهو، وطوني جوز سارا.. وبوتين جوز مش عارف مين.. وسيحال كثير من الناس إلى الأرفف، وكثير من المهن إلى التراب..
هل نكتم أنفاس الصحافة، ونلجم (الزعيم الرجيم، والوزير الننوس، وإيناس وهالة، وسائر الناس الز….!؟) هل يعقل هذا يا سيدي؟
بحسب القرآن أن نلتمس منه البركة! ولا تخش علينا الضلال - ولو تركناه وهجرناه - فنحن متحضرون فاهمون، والدنيا تغيرت، وربنا غفور رحيم، والضرورات تبيح المحظورات، والدين يسر، ويوم القيامة لا يزال بعيدًا، وحين نموت (تُفْرَج).
لا تخش علينا ضلالاً، ولا تُطلْ خطبتك بعد ذلك، فنحن في زمن الاختصار والسرعة - السرعة في كل شيء - ونحن متأكدون أننا صالحون، وسندخل الجنة، فالقلوب بيضاء، والنوايا سليمة، وكفاك يا رسول الله تشديدًا!