أديب عبد الله / صحفي في قناة التركية
لم تفاجئ الأوضاع في الشرق الأوسط الولايات المتحدة والدول الأوربية فحسب فتركيا التي تسعى إلى توطيد علاقتها بالشرق الأوسط برسم حدودها الجيوسياسية مع الدول العربية نالت نصيبها من المفاجئة والدهشة. ولكن المفارقة التي بأدت تتضح بتعاقب الأحداث في الشرق الأوسط جسدتها مواقف الدول الراعية للدكتاتوريات العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي(دول الغرب). فما إن بدأت الثورات العربية تتضح معالمها بعد أن خطها الثوار في تونس، حتى أخذت مواقف الدول الغربية بالتذبذب وأخذ صورة ضبابية لتفسير المبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان التي كانت تدعوا لها في العقود الأخيرة ، صورة مع الأسف انجلت عن معادلة تعكس نية الغرب الوقوف مع الأقوى والمنتصر بغض النظر عن شرعية الوسائل التي استخدمت من قبل الشعب والحكومة . فالتبجح بمراعاة حقوق الإنسان وأحقية الشعب في اختيار من يريد وجدت نفسها على المحك الأسابيع الماضية ، فلا يختلف اثنان على أن الحكومات الواقفة في خندق الدفاع عن حقوق الانسان كانت أمام مذابح ضد الانسانية دون أن تعمل بصرها ولا بصيرتها. وما يعزز هذا ويرقى به لتسمية (الفضيحة) موقف الدول الغربية من المذابح التي تشهدها المدن الليبية بآلة الحرب التابعة للنظام الليبي ، فلون النفط الأسود غطى جميع الصفحات البيض التي كتبت في أدبيات حقوق الانسان. فاذا ابقتنا التصريحات المتقلبة للساسة الأمريكان - بين مؤيدة ومعارضة للمبارك - في حيرة وقت الاحداث في مصر وتونس كانت المواقف المرافقة لاحداث ليبيا أشبه بالمواقف التي تذكرنا باسلوب المافيا الذي يرجح الحصول على المنفعة باي وسيلة كانت. وان جاز لنا ان نصف السياسية الغربية بانها وقعت في محذور التناقض على ضوء هذه المعطيات فلا يجوز هذا ابدا عند استعراض مواقف دول الجوار العربي التي التزمت الصمت . اما بالنسبة لتركيا ومواقفها التي تستند على استرتيجة تصفير المشاكل مع دول الجوار ناهيك عن الشعور بواجبها اتجاه الدول الاسلامية والعربية الذي يمليه عليها بُعدها التاريخي في المنطقة ، والذي دفع عددا من المفكرين الأتراك بوصف السياسية التي تسير عليها تركيا بمصطلح (السياسية النظيفة) لتُوضع تركيا خارج دائرة سوء النية في اطار تحركاتها السياسية وهذا يظهر جليا في دورها في ملف تبادل الوقود النووي الإيراني والمفاوضات السورية الإسرائلية غير المباشرة إلخ …
في اطار هذه الاستراتيجية تمكّنا من رؤية الموقف التركي ثابتا على نقيض موقف الدول الغربية والعربية ، فعتمدوا في خطابهم على تقديم الشعوب على زعماء الحكومات الذين كانت تربطهم بهم علاقات اقتصادية وطيدة، وان تاخروا في ايضاح موقفهم في الشأن الليبي فهذا يعود إلى وجود ما يقارب الخمسة والعشرين ألف عامل تركي على الأراضي الليبية ، أما بالنسبة لمعارضتهم لفرض عقوبات على ليبيا فهذا يعكس فهمهم بأن النظام الليبي انتهى وأن الغرب في فرضه لعقوبات او تدخله سيستهدف الشعب الليبي ومستقبل (ليبيا بدون قذافي).
واستكمال للصورة التي رسمناها عن السياسة التركية، تجيئ زيارة الرئيس التركي عبد الله غول لمصر كأول رئيس دولة يزور مصر بعد رحيل حسني مبارك ، لتبرهن سير السياسة التركة خلف استراتيجية واضحة وثابتة في التعامل مع الغير عبر تبادل المنفعة وليس احتكارها فضلا عن عدم سرقة مواقع الآخرين وعدم التغول على الأدوار التي يجب أن تقوم بها الدول (الصديقة) في المنطقة ، فلم يمنع الجليد الذي وضعه حسني مبارك بين تركيا ومصر من ترجمة عبارة ( لا شرق أوسط بدون دور فاعل لمصر ) بزيادة الرئيس التركي ، وخطت خطوة إلى الأمام لتترك كل الدعوى التي تقول بأن تركيا تحاول سد الفراغ الذي خلقته مصر غائبة خلف شخص الرئيس المخلوع حسني مبارك . ولتبرهن بأن تركيا تحاول مد يد العون لإرجاع مصر الشعب وليس مصر حسني مبارك.