الدستور 24-3-2011
في سياق تعليقه على ما يجري من أحداث في العالم العربي ، ظهر رئيس الوزراء التركي كمن يدافع عن موقفه من الوضع في ليبيا ، وهو موقف لم يكن منحازا للثوار ، وإن لم يقف بشكل حاسم إلى جانب العقيد معمر القذافي (نصحه بالاستقالة في بعض التصريحات).
فيما يتصل بالثورات في اليمن وسوريا والبحرين ، حذر أردوغان من أن يذهب الصراع فيها نحو الطائفية ، الأمر الذي يستحق التوقف في واقع الحال ، لأن صحة هذه المقاربة بقدر ما في الحالة البحرينية ، لا تنسحب على الموقف من اليمن الذي يتوحد معظم أبنائه ضد نظام علي عبدالله صالح ، كما لا تنسحب بالضرورة على الحالة السورية في حال استجاب النظام لنداءات الإصلاح ، بل إن الإخوان الذين يتصدرون الحالة الإسلامية السورية وسبق أن خاضوا في هذا البعد لم يتحدثوا بنفس طائفي في سياق تعاطيهم مع الأحداث الأخيرة.
في الملف الليبي ، ذهب أردوغان إلى أن “البترول والثروات الطبيعية الموجودة في الأراضي الليبية هي السبب فيما تعيشه ليبيا من أحداث” ، مضيفا بنبرة دفاعية غير مقنعة أن “اهتمام تركيا بما يقع هناك هدفه إنقاذ أرواح المدنيين وليس الحصول على الثروة”.
وفي حين لن تبلغ بنا السذاجة حد القناعة بأن التدخل الغربي كان فقط من أجل إنقاذ حياة الأبرياء ، فإن تسخيف ثورة الشعب الليبي على هذا النحو أمر لا يليق بمنصف ، لأننا إزاء شعب ذاق الأمرين من نظام دكتاتوري متخلف ، ولم يجن شيئا يذكر من تلك الثروات التي يتحدث عنها السيد أردوغان ، بينما كان العقيد وأبناؤه يبعثرونها ذات اليمين وذات الشمال ، ودفعوا منها الكثير من أجل إعادة تأهيل نظامهم العائلي الذي كان قد تورط في ألعاب مجنونة هنا وهناك وضعته في رأس قوائم “الإرهاب”.
يعلم السيد أردوغان أن حصة بلاده من الثروات الليبية 15( مليارا حجم الاستثمارات التركية في ليبيا) هي جزء يسير من الحصص الأخرى التي توزعت على الدول الأخرى ، من بريطانيا إلى إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة والصين والهند وسواها ، ولم تكن تلك الصفقات مهددة ببقاء نظام العقيد.
لو كان الأمر بيد الغربيين لكان العقيد هو خيارهم المفضل بعدما غير خطابه ، وبعدما تأكدوا أن خليفته هو سيف الإسلام الذي يرتبط بعلاقات وثيقة معهم ، لكن ثورة الشعب الليبي كانت مفاجئة ، وخافوا تبعا لذلك من انهيار الوضع ، فسارع بعضهم إلى تأييد الثورة بينما تردد آخرون ، لكن ولوغ العقيد في دماء شعبه لم يترك مجالا سوى التحرك بعد توفر الغطاء العربي ، في حين نعلم أنهم يدركون أن سيطرة الرجل على التمرد المسلح لم تكن تعني نهاية المطاف لأن الثورة السلمية التالية التي ستطيح به كما أطاحت سواه ستكون على مرمى أسابيع أو شهور ، لا سيما أن استخدام السلاح كان هو الفخ الذي استدرج إليه الثوار.
لو كان بوسع الغرب أن يحمي الأنظمة في مواجهة الشعوب بعد أن كسرت حاجز الخوف ، لحمى نظام مبارك الذي كان يقدم أعظم الخدمات لمصالحه ومصلحة حبيبته الدولة العبرية ، ولحمى من قبله نظام بن علي الذي كان يتلقى شهادات الإطراء وحسن السلوك بسبب نجاحه في لجم الظاهرة الإسلامية في تونس.
ما ينبغي أن يدركه أردوغان هو أنه بانحيازه ضد ثورة الشعب الليبي وثورات الشعوب العربية ، إنما يغامر بتبديد الرصيد الكبير الذي راكمه خلال السنوات الأخيرة بسبب مواقفه القوية من الصلف الإسرائيلي ، وإن بقيت في حدود الممكن بسبب العلاقة الخاصة مع الدولة العبرية والخوف من غضب الغرب المنحاز إليها.
لا يليق بأردوغان أن يتحرك وفق ذات المنطق الانتهازي الغربي حين يتعلق الأمر بجماهير الأمة ، لأن هذه الجماهير هي الباقية ، وليست الأنظمة ، حتى لو كانت قرارات الاستثمار الآني بيد الأخيرة.