العادة السرية

الحمد لله الذي خلق فسوى, والذي قدر فهدى .
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, نعبده مخلصين له الدين, ولو كره الكافرون.
ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله, جاء بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيداً.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته..

أما بعد:

فإن أصدقَ الكلام كلامُ الله, وخيرَ الهدي هديُ نبينا محمد وشرَّ محدثاتها, وكلَّ بدعة ضلالة..

وإن من كلام ربنا قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]

وهذه الآية مشكاة رحمة, وخير لكل مؤمن ..

فإن الطريق إلى الله لا بد أن تحفظ فيها اللحظات والخطرات, واللفظات والخطوات..

وابن آدم مغرور, تلهيه القشور, ولا بد له من ذكرى وفِقهٍ وفطنة؛ كيلا تذهب به الآفات والشهوات, أو يقع في الحرام والذنوب والمهلكات..

وكتْمُ العلم عن أهله حرام..

وإرشادُ الناس إلى الخير والنصح لهم واجب..

واتباعُ ما اعتاده البعض من التغافل عن بعض المشكلات, والالتفاف حولها, وعدم الجرأة على الصراحة في معالجتها, فمما نعتقده خطأ..

والذي نراه أن الإسلام نظام شامل للحياة كلها.. ما ترك صغيرة ولا كبيرة ولا شاردة ولا واردة إلا ومد إليها هديَهُ وإرشاده .

ومشكلات الشباب أحد تلك المحاور التي لا يغفلها الإسلام, وإن أغفلها الناس, ومن مشكلاتهم تلك الآفة التي يسمونها العادة السرية..

ولقد سُئلت عنها بكثرة هائلة, حتى أصبحت موقناً بأنها مشكلة حقيقية, يعاني منها معظم الشباب, وإن كان البعض ولله الحمد ناجياً منها..

أسباب هذه الظاهرة

لكن السبب المباشر للحديث عنها أمران..

الأمر الأول :

هو اجتماعيْ مع بعض الأطباء, وجرى الحديث عما يرونه في بعض الأحيان من حالات إسعافية خطيرة, ولكنهم ذكروا مرعباً مفزعاً ..

وهو قدوم حالات إسعافية لبعض الشباب, وقد أصيبوا بآفات خطيرة من بعض أنواع السل أو التهاب الأعصاب الشديد, وحتى تهتِّك الخلايا وتمزق بعض أعضائهم, وغير ذلك مما قد يُحرِجني ذكره..

وكل ذلك بسبب تلك العادة الخبيثة..

الأمر الثاني :

فهو أني رأيت في طريقي أربعة شباب يدخنون, ويتكلمون بما لا يتفوه به مهذب, فوقفت وعرفتهم بنفسي ونصحتهم, فتقبلوا وأظهروا رضىً, وسألوني عن العادة السرية, وكنت ذاهباً لصلاة العشاء, فدعوتهم لدخول المسجد؛ كي نتحدث فيه بعد الصلاة, فاعتذَروا. !!

فقلت لهم: غداً نلتقي في المسجد إن شئتم.. فاعتذَروا.!

وقلت لهم: ماذا عن الأسبوع القادم.. فاعتذَروا.!

وقالوا: نتحدث في الطريق, ولا نريد أن ندخل المسجد.. !

هل عرفتم سبب إعراضهم عن دخول المسجد .؟

واحدُهم يظل جنباً ليله ونهاره, تهُلِكه وتُنهِكه العادة السرية الخبيثة..

وكلما بقي كذلك, ازداد بلاؤه, وانغمس في شهوة إن بقي فيها ما تركته والله إلا قاعاً صفصفاً..

وقلت : كيف يجري هذا في شباب أمة محمد فلا يتحدث عنه عالم ولا خطيب, ولا يفزع لأجله مفكر, ولا طبيب.!

وأين هو نائم كل طرف يستطيع العون أو الإرشاد أو التهذيب أو النصح أو التذكير أو التوعية أو التربية فيبقى في سبات أطول من سبات أهل الكهف, يتعامى عن الأمور ويتحدث عن القشور, ويجعجع فلا نرى طحناً..

الإسلام رحمة أيها الناس..

فلماذا لا نفتح أبوابه للشباب.. ؟

ولماذا لا ندعوهم إليه ..؟

ولماذا لا نربيهم عليه.. ؟

ولماذا لا نعينهم على صد غارة الشهوات المهلكة ..؟

ولماذا لا نهيئ لهم تربة الاستقامة والصلاح.. ؟

لماذا لا نغرس فيهم عزة الإسلام, فيعلموا:

أن الله قد كرَّم المسلم, ورفع من شأنه, وجعله حراً, لا يسجد إلا لله ربه ومولاه..

وأنه لا يجوز لفتى من شباب أمة محمد  أن يكون عبداً للحذاء أو الكساء أو النساء..

وصدق تعالى : {و َاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]

ومن أجل أن لا نكون ممن يفرط في الأمانة نقول:

أكثر الشباب في حيرة وجهل للحكم الشرعي للعادة السرية:

فمنهم من سمع عن الأمر من بعض رفاق السوء, فصده عن ذلك ما رُبي عليه من خير وعفاف وتقى.

والبعض ينجرف في شهوته, دون تبصر ولا روية..

والبعض لا يقربها إلا مضطراً, ودفعاً لما هو أعظم منها.

والبعض سمع أو قرأ في بعض كتب الفقه عن حرمتها, فتصارعت في نفسه أمور ما حسمت واحدة منها الوضع..

وآخرون سمعوا أو قرؤوا في بعض كتب الفقه عن إباحة بعض العلماء لها, فوقعوا فيها واستباحوا حدوداً ينبغي أن يفطنوا لها..

وآخرون وهم أقل القليل, اعتصموا فعصموا واتقوا الله, فجعل لهم مخرجاً, من زواج مبكر, أو حلاوة طاعة وعبادة انغمسوا فيها, أو بصيرة إيمانية, صاحَبَها صبر وصدق سمت بهم عن فعل أقرانهم..

ولكل هؤلاء نذكرهم بقول الحق تعالى : { يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } [النساء 26]

والإسلام نظام واضح وصريح لا يتعامى عن الفطرة, ولا يحصل في ظلاله كبت ولا تعقيد, وإنما يأتي الكبت والتعقيد والكذب:

مِن غامس رأسه في الرمال؛ ليخدع الناس, وما هو بخادعهم..

ممن يحب الفساد والإفساد, ويتاجر بكل شيء ويدجِّل في كل شيء..

ممن يسمي الرذيلة فناً, والعري إعلاناً, والميوعة طرباً, والانحلال فناً, والتبرج أناقة, والفجور ترويحاً عن النفس, واختلاط الأنفاس بالأنفاس صداقة بريئة وتعاوناً, والتهتك الفاضح تحرراً ورقياً وتطوراً, وما شئتَ من الآفات والشبهات والمهلكات والشهوات وعياً وتقدماً وتمدناً.. !!

أما الإسلام فربما جاملَ الناس فيه, ولكنه يعتقده في باطنه كبتاً وتعقيداً وتخلفاً, وترى انعكاس سريرته على أعماله بمضمون ذلك بيّناً واضحاً..

هل رأيتم أيها الناس يوماً سيارة تعمل دون محرك..؟

هل رأيتم مولداً من دون طاقة.. ؟

هل رأيتم جهازاً دقيقاً يحتاج إلى نباهة وفطنة, يستعمله الغبي والأحمق والجاهل إلا ويخرب ويعطب..؟

وهذا حال الإسلام اليوم..

ينـزع عنه الناس أهم أجزائه, ثم ينتظرون منه الخوارق والمعجزات..

والإسلام نظام كلي شامل في أفيائه الشاملة, يعيش الفرد والمجتمع في سكينة وطمأنينة ورحمة وعدل..

وما تخلى عنه الناس خلال عشرات السنين من الإسلام, يدفعون ضريبته اليوم في سائر مجالات الحياة..

ومنها أعظم كنوز الأمة..وهم شبابها.

وإن الفطرة التي خُلقت في الشباب, ليست ذنباً ولا عيباً, ولكن الذنب والعيب من المجتمع الذي يستغلها ويثيرها ويهيجها ليل نهار..

والفطرة البشرية وُجدت منذ أن خلق الله آدم, ولكن قوماً اتقوا الله فخرج منهم مثل مصعب وبلال وسعد..

وقوماً انحرفوا وعبدوا شهوتهم فخرجت منهم مسوخ بشرية, فيها كل أنواع الانحرافات والأمراض, وليس آخرُها مرض الإيدز اللعين..

ومهما كانت الضغوط على الشباب المسلم :

فتبقى الاستقامة هي الطريق, وتقوى الله هي المعتصم, والعلم الشرعي البصير الواعي هو المرشد..

وتبقى بيوت الله هي الملاذ والرحمة..

ويبقى صحب الخير وإخوة الإيمان سفينة النجاة.

ويبقى حب الله ورسوله هو الغذاء والدواء, والذخيرة والزاد..

الحكم الشرعي للعادة السرية

أما الحكم الشرعي التفصيلي للعادة السرية, ولها أسماء أخرى, مثل الاستمناء فهو ما يلي, نسوقه بإيجاز:

ذهب كثير من العلماء إلى التحريم, وخصوصاً المالكية والشافعية .

أما الحنابلة فقالوا: الاستمناء حرام إلا إن خاف الزنا, ولم تكن له زوجة, ولم يقدر على الزواج, فلا جناح عليه.

والحنفية يقولون إن الاستمناء حرام؛ إذا كان لإثارة الشهوة, دون مبرر..

ونقل الإمام القرطبي في تفسيره عن الإمام أحمد في رواية عنه جوازه عند الحاجة, وإن كان رأي القرطبي التحريم..

أما الإمام ابن حزم فيراه مكروهاً؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق.

وقال بعض العلماء هو عار بالرجل الدنيء, فكيف بأهل الاستقامة والصلاح..

والذي نحب أن نؤكد عليه أنه لم يرد أي حديث صحيح صريح في تحريم الاستمناء, وغالب ما يُنقل موضوعٌ لا أصل له..

فمن أين يأتي العلماء بفتواهم في التحريم..؟

وهل الأمر مزاجي كما يشاؤون.. اللهم لا..

فالعلماء المجتهدون لهم مسالك دقيقة في الوصول إلى الحكم الشرعي..

ودليل المذهب الشافعي في التحريم قوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين}.. [المؤمنون: 6]

فلو كانت هناك سبيل أخرى لذُكرت..

ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى: {و َلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33]

فما أمر من لم يجد نكاحاً بالذهاب إلى تلك العادة..

ومن الدلائل أيضاً ما أخرجه الشيخان من قوله :

«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ .([1]) »

فالطريق إما زواج وإما صيام ..

ولكن الإسلام لا يغفل واقع الناس, ولا يتعامل معهم بالمثاليات النظرية, بل يرفعهم من الواقع إلى المثالية العملية.

وهكذا رأينا أن الشريعة لاحظت حاجات الناس, ومقدار الضرورة التي يعيشونها, فكانت لها استثناءات هنا وهناك, تتوسع وتتقلص وفق ضوابط شرعية.

وهكذا رأينا صاحب الهدية العلائية الملخصة من حاشية ابن عابدين يقول:

“ويحرم ( أي الاستمناء ) إن كان لتهييج الشهوة أو استجلابها إلا إن كان لتسكين الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب التي يخاف ضررها إن أعزب لا زوجة أو كان معذوراً كسجن مديد أو سفر بعيد ( فربما يخشى على نفسه ). ([2])”

والذي نستنبطه من كل ما سبق:

إن طبيعة المجتمع المسلم لا تسمح بتواجد تلك العادة كمشكلة واسعة, فالزواج المبكر والتكافل الاجتماعي وتربية الشباب والفتيات على الاستقامة والعفة والصدق مع الله والتقوى سبيل وقاية أكيدة..

ومن نظر إليها من جانب التحريم, نظر إليها من باب الالتزام الإيماني العالي, ومع الإحساس بخطورتها الاجتماعية إذا عمت.. وأنه في ظل الضمانات الإسلامية في المجتمع فإنه لا داع إليها مطلقاً.. فمنع منها..

من نظر إليها من جانب الإباحة, نظر إليها كوضع فردي لا يلجأ إليه الإنسان إلا عند الضرورة فأباحها…

كراهتها إلا في حالة الخوف مما هو أعظم منها..

والخلاصة التي نفتي بها الشباب هي هذه الأيام:

أن الإدمان في الشرع مرفوض حتى لو كان في العبادة, ودليلي الشباب الثلاثة الذين جاؤوا إلى رسول الله r وأحدهم يريد أن يقوم الليل فلا ينام, والآخر يريد أن يصوم فلا يفطر, والآخر لا يريد أن يتزوج.. فنهاهم r ومن رغب عن سنته فليس منه؛ لأن الإدمان حتى على العبادة, يعطل جوانب أخرى من فطرة الناس, فكيف بالإدمان على الشهوات..

فينبغي على كل شاب يتقي الله أن يخرج من الإدمان ما استطاع.

ما يؤدي إلى الضرر الأكيد فهو حرام, كإنهاك الأعصاب وإرهاق الفكر والقلب والتهاب الأعصاب والسل وضعف القوى.

ولو أن رجلاً تلتهب أعصابه أو يصاب بالضرر إذا قام يصلي واقفاً لما كانت الفتوى له إلا بالصلاة قاعداً؛ فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

لا ينبغي لمن يطيع الله أن يجعلها باب جلب للشهوة, وعليه ما استطاع أن يتقي الله U وينصرف عنها ويقطع أسبابها قدر إمكانه..

إنْ شغلتِ الشهوةُ البال, وكادت ترهق الأعصاب, واستهلكت التفكير, ولم تنقطع الأسباب, فيباح الاستمناء؛ دفعاً للشهوة, لا جلباً لها.

مَن خاف الوقوع في الزنا فالاستمناء واجب, شرط ألا يجعله حيلة يتصيد بها الشهوة, كأن ينصرف إلى ذلك من دون داع.

وأخيراً نذكرك أيها الشاب بتجفيف منابع الشهوات من حولك ما استطعت, وبتقوى الله تعالى, وإياك أن تستعبدك الشهوات؛ فأبوك لا يرضى بذلك..

ربما لم يخبرك أحد يوماً من أنت.. ومن أبوك.. وما كنت يوماً لقيطاً..

أنت ابـنَ الإسلام يا فتى, فهل عرفت أباك..؟

أبوك مَن جاء ليخرج الناس من عبادة الطواغيت والشهوات إلى عبادة الحق تعالى..

أبوك من لا يهادن فساداً, ولا يرضى بظلم, ولا يحب منكراً..

أبوك من تسيل دماؤه ليل نهار, ويكيد له الشرق والغرب..

أبوك يا فتى الإسلام ما مدت أشعته مثل الشمس أجساد النساء, وما بنيت عظمته بالجواري في قصور بغداد, ولا الحسان في قصور الأندلس..

أبوك يا فتى الإسلام ما دوى صوته بالرذائل والمنكرات والشهوات..

أبوك فتح الدنيا بلا إله إلا الله محمد رسول الله..

ومن أجل أبيك استشهد عمار, وسفكت دماء سمية, وذبح عثمان, واغتيل علي, وطُعن عمر, وحُزَّ رأس الحسين..

فهل عرفت من أنت يا فتى..

وإن داهمتك الشهوات فتذكر أنك :

نفحة من روح مصعب ..

عزمة من عزمات عمر..

خفقة من قلب البراء ..

لوعة من لوعات طلحة ..

ومضة من نور حذيفة..

أنت حامل راية التوحيد..حامل لا إله إلا الله محمد رسول الله..

أنت جندي المصطفى ..

فلا تقدم على نبيك يوم القيامة إلا طاهراً تقياً نقياً, أبيض الوجه مشرقاً..

ثبَّتَك الله على طاعته, وصرف عنك غوائل الشهوات, وطهر قلبك, وحصن فرجك, وأعانك على الاستقامة والخير..
القسم الثاني

الحمد لله ثم الحمد لله ..

{الحمد لله الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون} [السجدة: 9 ]

ونشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له, نعبده مخلصين له الدين ولو كره الكافرون..

ونشهد أن محمداً عبده ورسوله, جاء بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيداً.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن خير الزاد التقوى..

أما بعد .. قال تعالى :

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 115]

وهي باب هداية ورحمة لكل عبد منيب, وخصوصاً الشباب؛ فإن عصر طغيان الشهوات يكاد يودِي بالعباد كلهم, وما من نجاة إلا بدرب التقوى وإرادة الصلاح, وقرعِ أبواب الفرار إلى الله؛ فإنه لا ملجأ إلا إليه ..

وقد ذكرنا في القسم الأول أن كثيراً مما يعانيه الناس وخصوصاً الشباب, مما لا يتطرق إليه عالم ولا خطيب ولا مفكر ولا طبيب.

وأن هذا من الخطأ الفاحش؛ فإن الإسلام نظام شامل للحياة يحيط بإرشاده وشموله سائر الأمور, وهو ليس مجرد فكر نظري, يسكن الكتب ويعشش في الماضي, بل هو فكر حي نابض دافق, تمتد أشعته ومبادئه لتقود الزمان والمكان, ضمن مثالية واقعية..

وقلنا إن الناس لن تقطف ثماره ما دامت تتعامل مع بعض أجزائه وتنسى كلياته وأساسياته.

وليس الذنب ذنب الإسلام حين تحصل المشكلات, بل ذنب كل غافل عن دور الدين في الحياة, متاجر بكل القيم والمبادئ والأخلاق .

وأن المجتمع يدفع ضريبة تخليه عن الإسلام ويتحمل أبهظ العبء من ذلك.. أمل الأمة وروحها.. أي الشباب..

ثم تحدثنا عن الفطرة التي خلقها الله في البشر, وأنها ليست ذنباً ولا عيباً, وأن كل الذنب والعيب إنما هو لاصق بمن يسعِّرها ويستغلها ويهيجها..

والفطرة تكون في الرجل التقي, فيكون شبيه مصعب بن عمير وعمار بن ياسر والنعمان بن مقرن ..

وتكون في الفاسق الشقي, فيكون مسخاً بشرياً, ينشر الانحلال والانحطاط أينما حل وارتحل..

وصدق الله : {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 27]

استعضنا جملةً مِن نُقول العلماء حول العادة السرية واختلافهم في الفتيا, وأن اتجاههم العام متفق على كراهة الموضوع.

وربما أباحه البعض؛ للضرورة, وكثيرون منهم على التحريم, والكل متبع للقواعد الشرعية الأصولية الدقيقة في استنباط الحكم الشرعي.

ومن أباحها نظر إليها كوضع فردي لا يلجأ إليه الفرد إلا عند الضرورة ,

ومن حرمها نظر إليها من باب الالتزام الإيماني العالي بالوقاية الفردية, والإحساس بخطورتها الاجتماعية إذا استهلكت الشباب, وأنه في ظل الضمانات التي ينبغي على المجتمع المسلم تأمينها للشباب, فإنه لا داع إليها.

وذكرنا لكم أمثلة مخيفة مما ابتلي به بعض الشباب من جراء انهماكهم في تلك العادة المذمومة, ولخصنا الحكم الشرعي لها بما يلي:

1- الإدمان عليها ذو ضرر قطعي, وما أدى إلى حرام فهو حرام, وما يودي بالشباب إلى إنهاك الأعصاب أو إرهاق القلب والفكر أو التهاب الأعصاب, فلا يشك اثنان في تحريمه .

2- لا ينبغي لمن يطيع الله أن يجعلها باب استجلاب للشهوة, وعليه ما استطاع أن يتقي الله وينصرف عنها ويقطع أسبابها .

3- إن شغلتِ الشهوةُ البال, وكادت ترهق الأعصاب أو تستهلك التفكير ولم تنقطع الأسباب.. أُبيح الأمر؛ دفعاً للشهوة لا جلباً له .

4- مَن خاف الوقوع في الزنا, وجب عليه الاستمناء, شرط أن لا يجعل ذلك حيلة نفسية له ينصرف إليها من دون داع صحيح .

 

هذه خلاصة المحاضرة الماضية ذكرناها لأهميتها..

ونتحدث اليوم عن النية الصالحة حتى في مثل هذا الأمر..

وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول:

« إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. ([3]) »

وهذا الحديث الشريف, قال عنه الإمام الشافعي:

” هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين باباً من الفقه . ([4])”

أما الإمام أحمد فيقول:

” أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث هذا أحدها.. ([5])”

إذاً فالنية الصالحة لا ينبغي أن تفترق عن عمل المسلم أبداً..

وما النية الصالحة هنا ؟

إنها ارتكاب أخف الضررين؛ خشية الوقوع في أشدهما, ولو فرضنا أن رجلاً بعثناه برسالة فيها النجاة لقوم من عدو يريد هلاكهم, فانقطع في الصحراء وكاد يهلك, فما وجد إلا خمرة فشربها مضطراً.

أفما تكون له نية صالحة وقتها غير نيته بدفع الهلاك عن نفسه..

ألا وهي نيته في التقوى حتى ينقذ الناس من الهلكة..

وكذلك الشاب التقي, لا ينبغي أن يقرب تلك العادة إلا مضطراً.. ومعه نية صالحة يستحضرها.. بدفع بعض أنواع الهلاك عن نفسه, من ضغط جنسي شديد, أو خشية وقوع في الحرام, أو إشغال بال مقلق يعيقه عن أمور الخير..

وقد يقال ماذا تجدي النية الصالحة, وقد وقع فيما نرجو له السمو عنه .؟؟

والجواب أن إدخال نية صالحة تحجم شهوة القلب وتردها إلى حقيقتها, فتقف عند الضرورة الفعلية, ولا تمتد لتحتل ميداناً في النفس أكبر منها..

وابن آدم لم تكتب له العصمة, وربما لابسته الأخطاء والذنوب, واعتراه التقصير والضعف, ولكن شبَّه البعض قلب المؤمن مثل الشمع, ربما سقطت عليه قطرات من ماء موحل فكانت فوقه, ولكنها لا تمتزج به أبداً؛ إذ أن ما يتولد في القلب من معاني التوبة والاستغفار والعزيمة على التقوى والإنابة والرجعة إلى الله, يصد الشهوات عن التمكن فتحوم حول الأبواب, ولا تتمكن من الدخول..

أما قلب الفاسق فحصن فتحت أبوابه, وسلمت للعدو قلاعه, ما إن يصادف شهوة حتى يخر أمامها, فتتوطن فيه وتسكن ولا تقلع إلا بهمة عظيمة, وربما سكنت أبداً..

وهذا تفهمونه من حديث نبيكم عندما قال :

« مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته ([6]) يجول ثم يرجع إلى آخيتيه وإن المؤمن يسهو ثم يرجع ([7]) »

أي أن المؤمن وثيق الصلة بمعاقد التقوى ودرب الإيمان مهما ابتعد أو سها, فإنه يرجع إليه..

أما من قطعت حباله وكسر وتده, فهو فرس جموح, يضيع في صحراء الشهوات والمهلكات..

ومن النية الصالحة, التفكر في الأمور والتبصر في العواقب..

وقد ذكرنا في خطب سابقة أن المؤمن مع المنكرات والشهوات, مثل البلاد المتطورة صناعياً تستخلص من النفايات مواد مفيدة..

وقد قال السلف: ( من أدام الفكرة كان له بكل شيء عبرة.([8]))

وقد مر معي منذ وقت طويل أن أحد الصالحين أفاق في الليل, فوجد نفسه قد احتلم, فتفكر في عظمة خلق الله تعالى.. وكيف ينشئ الخلق من تلك النطاف وهزه كلام الحق:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُون} [المؤمنون: 16]

واهتزت كل ذرة في ذلك الرجل الصالح, وارتعد قلبه لجلال الله وعظيم قدرته, فصار يبكي..

أفرأيتم رجلاً مثل هذا تنسفه الشهوات, أم أنه على ركن من الصلاح متين..

والتفكر في الأمور والتبصر في العواقب مما لا يضيعه الله للعبد, حتى في موطن الفتنة الشديدة..

ومن ذلك ما روي عن ابن عمر أنه سمع رسول الله أكثر من سبع مرة يقول:

« كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ, فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ, فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا؛ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا, فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ, أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ..

فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ..؟

قَالَتْ: لَا, وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ ( وما كانت في فيه نية ولا قصد ) وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجَةُ.

فتفكر الرجل وتدبر.. ومن أدام الفكرة كان له بكل شيء عبرة.

فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ, اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ..

وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا.

فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ, فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ, إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ ([9]).»

وورد في بعض الأخبار أن رجلاً أراد الفجور بامرأة, فتمنعت, ثم ألجأتها الحاجة, فرضيت.. بشرط أن يكونا في مكان لا يراهما فيه أحد.. ‍‍

فخرج بها من بين البيوت إلى الصحراء, فلما هم بها قالت له: أما قلتُ لك لا أريد أن يرانا أحد.. ‍

فقال: ومن يرانا, وما ثم إلا الكواكب..‍

فقالت يا غافل.. فأين مكوكبها.. ([10])

فأين الله..

فأين مَن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء..

فأين مَن هو معكم أينما كنتم..

أين من يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ..

فذُعر الرجل, وفطن, وفرّ هائماً على وجهه..

فبالله عليك يا فتى الإسلام لا تغفلنَّ عن التفكر والتدبر..

ولو علمتَ نعم الله عليك في عافيتك وصحتك لما رضيت ببذلها للحسان الغيد, ولو كنَّ أجمل من الشمس وأحلى من الربيع..

ولو فطنتَ إلى أن أجساد النساء صورة, آخرها جيفة يقتتل عليها الدود, لما عمِيتْ بصيرتُك عند الشهوات..

ولو تعلمت التعفف ما استطعت, لما رضيتَ أن تبذل نفسك عبداً لكل غانية فاجرة, تثير في نفسك كوامن الشهوات, وتدفعك إلى تلك العادة, التي ما وراء الإدمان عليها إلا أذى القلب, وظلمة الروح وضعف الجسم..

أما سمعت الشيخ الرئيس ابن سينا يقول:

” احفظ منيك ما استطعت فإنما هو ماء الحياة يراق في الأرحام . ([11]) ”

ومن النية الصالحة يا فتى الإسلام.. أن ترهب قول الله : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]

فلا تحدث الناس بما يفسدهم, ولا تنقل إليهم ما يشغل بالهم؛ من أغنية ماجنة, أو نكتة بذيئة, أو قصة ساقطة, أو دعوة آثمة, أو شريط فيديو خبيث, فيه الإجرام والفساد والدمار..

ومن النية الصالحة, أن لا تحدث الناس بما تقع فيه من المعاصي إلا ما تضطر فيه إلى الاستشارة والنصح والفتوى, والتعريض فيها خير من التصريح..

أما سمعتَ نبيك قال:

« كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ, وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا, ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ.. عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا, وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ, وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ . ([12])»

فلا تحدث صديقك عن ذنوبك, بل عن توبتك من الذنوب.

ولا ذهابك إلى أماكن الفساد, بل عن رجوعك إلى الله..

ولا عما اقترفته من السيئات, بل عما تنوي تداركه من الحسنات..

ومن النية الصالحة يا فتى.. أن تستحيي من الله..

وقد سمعتُ أن بعض الشباب ممن سمع أن ابن حزم قد أباح الاستمناء, وقد عمل بالفتوى من دون تقوى, فأصبح يتحدث بالأمر, وينشره, ويحمل الفساد إلى مَن حوله, وربما شجع عليه من لم يقربه يوماً دون أن يدري وإلا فما يزال ما أخرجه البخاري منارةً للمؤمن, وذلك لما سئل عن العورة, وعن الحكم فيما إذا كان الرجل وحده فقال : « الله أحق أن يُستحيا منه مِن الناس . ([13]) »

وأمور الحلال والحرام لا بد أن تربط بالتقوى والحياء من الله..

وإن أردتَ تحديث الناس, فحدثهم بما يطهر قلوبهم ويزكي أعمالهم, دون تشدد لا داعي له, أو تنطع لم تأت به الشريعة..

ويا فتى إن من نعم الله عليك معرفتُك به, وانظر حواليك ترى ما أصاب قوماً انحرفوا عن الصراط, وركبتهم الشهوات, فابتلوا بالأمراض المرعبة..

وها هو مرض الإيدز.. أصبح متفشياً في عشرات الملايين, حتى جعلوا له يوماً دولياً, يصادف في الأول من شهر كانون الأول من كل عام .‍‍!

ونحن نحمد الله أن هذه الأمة بعقيدتها ودينها وغيرة المخلصين من أبنائها, ما تزال في منجاة وبعد عن الخطر, وإن كنا نطلق صرخات التحذير في وجه المجتمع والأفراد, الذين يدفعون بقصد وغير قصد كثيراً من الشباب الغافل إلى مصارعهم, بإهاجة الشهوات والمنكرات.. وتهييءِ المعاصي والفجور..

وأخيراً نعيد تذكيرك يا فتى, بألا تسير في درب الشهوات, وأن أباك لا يرضى بذلك, وما كنتَ يوماً لقيطاً..

كتَّم الفجرةُ عنك نسبك الطاهر؛ كي يقتلوك ويذبحوك..

أنت ابنَ الإسلام يا فتى.. فكيف أنسَوك أباك..

كيف يكون هواك في السيارة الفارهة, والغادة الحسناء واللباس الناعم.. وسيول الدماء تجري من جرح أبيك النازف أبداً..

كيف يطيب لك النظر في وجوه الغيد الحسان.. وأعراض أخواتك تغتصب في البلقان.. وأفغانستان .. والعراق …

وكيف يطيب لك أن تسمع ذلك الغناء الإفرنجي الفاجر, أو تصغي لمغن مخنث.. وصرخات الحرائر في سجون اليهود في فلسطين ، وفي سجون القوات الأميركية في العراق الجريح تقطع القلوب.

أما تسمع الصراخ والأنين.. أما تسمع صوت الأيتام في جنوب لبنان.. والجياع في الصومال.. أما تحس بكل الكيد والمكر على أمتك.

وكيف تنام على شهوة.. وأمة الإسلام مستعمَرة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً.

وكيف تسبيك جيف النساء.. وفي أمتك ملايين الجياع والفقراء والعراة .

وكيف يلهيك الحديث عن شعرك ولباسك وحذائك, والسلسال في عنقك والبلاك في يديك.. وأمتك وبلادك تحاسب على وصول البندقية والمدفع والصاروخ إليها.

وكيف تستهويك أفلام الفيديو الداعرة.. وإخطبوط إسرائيل السياسي والعلمي والاقتصادي والثقافي يمتد ليشمل كل شيء..

وكيف ترى كل الفجور والتهجم والتحطيم والمؤامرات والكيد لراية لا إله إلا الله, من الغرب الفاجر والصهيونية الحاقدة.. فلا تميد الأرض من تحتك, وكل ذرة من كيانك تدوِّي :

عليها نموت, وعليها نحيا, وعليها نبعث إن شاء الله من الآمنين..

 

من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون..
([1]) البخاري, كتاب: النكاح, باب: من لم يستطع الباءة.. رقم: 4779 ؛ مسلم, كتاب: النكاح ,باب: استحباب النكاح..رقم: 1400

([2]) الهدية العلائية ص :

([3])

([4])

([5])

([6]) أي الفرس المربوط إلى وتد ثابت .

([7]) قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى, ورجالهما رجال الصحيح, غير أبي سليمان الليثي, وعبد الله بن الوليد التميمي, وكلاهما ثقة. (مجمع الزوائد, كتاب: التوبة, باب: المؤمن يسهو ثم يرجع رقم: )

([8])

([9]) الترمذي, كتاب: صفة القيامة.. رقم: 2496 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

([10]) ذكر هذه القصة المناوي في فيض القدير, في معرِض كلامه عن الحديث: (اعبد الله كأنك تراه..) رقم: 1133

([11])

([12]) البخاري, كتاب: الأدب, باب: ستر المؤمن على نفسه. رقم: 5721

([13]) البخاري, كتاب: الغسل, باب: من اغتسل عريانا…