الحمد لله ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا و أهلها ظالمون )1.
و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى و الآخرة و له الحكم و إليه ترجعون )2.
و نشهد أن سيدنا و قدوتنا محمداً عبد الله و رسوله ، ( ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم و لكن رسول اللهِ وخاتم النبيينَ و كان الله بكل شيء عليماً )3.
أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة وإن من كلامه تعالى قولَه : ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات و الأرضَ وما بينهما إلا بالحَقِّ و أجلٍ مسمى و إن كثيراً من الناس بلقآئ ربهم لكافرون )4.
( أولم يتفكروا ما في أنفسهم ) ما هو الفكر و التفكير . يقول الإمام الفيروزابادي في بصائر ذوي التمييز أن الفكر: قوة مُطَرِّقَة للعلم إلى المعلوم [ أي موصله له ] والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل . وفي معاجم اللغة : الفِكر هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول ، و يقالُ : فَكَّرَ في مشكلةٍ [أي] أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها . وإعمال العقل واجب شرعيٌ ؛ قال تعالى: ( إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون )5.
وورد في ذم تعطيل العقل آيات كثيرة منها ( أفلم يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلونَ بها أو آذانٌ يسمعونَ بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )6.
والعلاقة بين العقل والتفكير في المصطلحات المعاصرة مايلي: ( التفكير هو إعمال الإنسان لإمكاناته العقلية في المحصول الثقافي المتوفر لديه لإيجاد بدائل أو حل مشكلات أوكشف العلاقات والنِّسب بين الأشياء ). من ألزم اللوازم للأمة المسلمة إعادة اكتشاف نعمة العقل منها وإخراجه من تحت ركام هائل من العادات و الانحرافات و الاسقاطات الخاطئة لتفكر بشكل سليم …
و أود الإشارة هنا إلى خطأ يقع فيه البعض : فالفكر ليس بديلاً بحال عن المبادئ والأحكام أو العقائد أو حتى العلم ؛ الفكر هو استخدام نشط ذكي لكل ذلك للوصول إلى مزيد من الاستيعاب لما يحيط بنا من أحداث و معطيات حاضرة وماضية و توسيع مجال الرؤية لآفاق المستقبل ..
إن غيبوبة العقل المفكر أدى إلى نتائج وخيمة في حياتنا : ( و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أَوَلَو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون )7.
إن استقامة الفكر ونقاؤه ليس بديلاً عن العقائد ولا التربية ولا الأخلاق و لكنه شرط أساسي لصوابها و رشدها ..
و مهمة الفكر ليس وضع المبادئ بل الحركةُ الصحيحةُ بها و طرح كل البدائل و الحلول الممكنة لتثبيت الصواب وإزاحة الخطأ ؛ إن كثيرين منَّا ماهرون في تصيد المشاكل و الحديث المؤلم و المبكي حولها لكنك إذا طلبت حلاً لم تجد إلا الوجوم أو الهروب ..
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون * إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص )8.
و سنتعرض لبعض قوانين التفكير محاولين إرجاع بعض تصرفاتنا و قياسها إليها ، وقد استقيناها من كتابات المفكر الإسلامي د.عبد الكريم بكار :
1_ كثير منا يذكر الماضي بصورة جيدة و لكنه يمر على دروسه بسرعة غريبة : علاقة أكثرنا بالماضي علاقة حفظ و تذكر لا علاقة اعتبار و تدبر [ أُنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً ] , و المصائب و الفتن لم تنل من الاهتمام والتحليل قليلاً ولا كثيراً ..
وغالباً ترد إلى كلماتٍ مجملةٍ عامةٍ مثل : اتباع الهوى أو قلة التقوى أو دسائس الأعداء . وهذا أمر لا يمكن ترجمته إلى صيغة محددة نخرج منها بأمر عمليٍ يجب أن نبنيه ؛ مثال : بلاد القفقاس دخل الإسلام بداية إليها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه و أول من وصلها عبد الرحمن بن ربيعة و سيطر على مدينة “دربند” في داغستان الآن و التي يسميها العرب “باب الأبواب” والواقعة على شاطئ بحر “قزوين” ثم أعاد حبيب بن مسلمة إعادة الفتح في عهد عثمان ، و استقرت بأيدي المسلمين عام مائة و أربعة عشر للهجرة على يد مروان بن محمد ، ومن أعظم رموزها الجهادية الإمام شامل الذي قاد المقاومة ضد القياصرة لمدة ثلاثين عاماً ثم صار أسيراً عام ألف وثمانمائة وتسعة وخمسين ؛ لم يكن سبب أسره المؤامرات الخارجية ؛ بل كان نوعاً من الحسد بين بعض الزعماء ؛ دمر كل منهما مرتكزات الآخر إضافة إلى أسباب أخرى , واتسعت الفوضى و اشترى الروس وبالأموال الكثيرين من أهالي البلاد ، ولم يعد هناك من يستقبل الإمام سوى قرية “غونيب”! وهناك قاتل الإمام شامل مع أربعمائة من أتباعه [وفيهم النساء و الأطفال] جيشاً من الروس عدده أربعون ألفاً .. لقد تخلى الناس عن قضيتهم , بعضهم من أجل الزعامة و بعضهم من أجل المال .. وبعضهم من أجل الغنائم
.. إن ظاهر التاريخ يقول إن جيوش القياصرة هزمت الإمام شامل ولكن التفكير العميق يظهر لنا أن القانون القرآني غاب عن مجمل الأمة فوقعت الفاجعة : ( و أطيعوا الله ورسوله و لاتنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إنَّ الله مع الصابرين )9.
إن التفكير العميق بتلك المأساة يجعل المسلم يعمل دائماً على نزع فتيل الشقاق [وحب الزعامة و التنافس على الدنيا] من قلبه .. بدل أن يقضي الوقت في أحاديث لاتزيد الناس إلا ضياعاً و إحباطاً .. عند التفرق و التنازع و حب الدنيا فالهزيمة هي النتيجة المحققة !
2_ القانون الثاني :قليل من الناس يملك الشجاعة على مراجعة أفكاره : إنَّ النقد ملكة راقية جداً ، والتقليد ملكةٌ شائعة جداً ، وكثير من الناس يتقبلون الأمور المحيطة بهم دون أدنى مراجعة لها ؛ ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرُصُون )10.
و انتقاد الآخرين أسهل بكثير من انتقاد النفس ؛ لأن الإنسان إذا انتقد نفسه يقوم بدور الحجر و النحات في آن واحد .. و للأسف فإن قلة ممارسة النقد والمراجعة لدينا [في العالم النائم المسمى زوراً بالنامي] سبَّب أنَّ قليلاً من الأفكار التي نملكها ستصمد في وجه النقد ولو كان سطحياً ، وهناك دول ومؤسسات وجماعات لا ترضى عن التفكير ولا إعمال العقل ، وتنتقل طوال عمرها من إخفاق إلى إخفاق دون أن يكون ذلك حافزاً لها نحو أية وقفة تأمل .. لعلها تظن أنها تملك مناعة خاصة ضد آلام التجربة الفاشلة ..
كنت في عقد قران وتعرفت على رجل يحمل شهاداتٍ و اختصاصاً عالياً ، وتطرق الحديث إلى خطبة الجمعة وفوجئت به يقول : أنا أصلي ولكن ليس صلاة الجمعة .. حتى لو كنت غير مسافر أو مريض .. سألته عن السبب؟ فقال لي : لست ملزماً ولا يكلفني الله بالاستماع إلى بعض التفاهات التي يلقيها البعض بسبب ضحالتهم الشديدة! ورغم عدم موافقتي على تركه لصلاة الجمعة إلا أنني أخبرت بعض الناس بكلامه ؛ فكان من بعضهم كلام قاس بحقه وربما قال : [بالناقص] .. أو رجل محروم من الخير ، و الحق أننا لا ننتقد أنفسنا فنقع في أخطاء فادحة ، ولعل بعضها اغترار بعض الدعاة و الخطباء بامتلاء المساجد و أنا أقول : إنَّ نسبة من يصلي الجمعة اليوم أقل ممن كان يصليها قبل سنوات ..صحيح أن عدد المساجد قد ازداد ، ولكن الصحيح أن هناك زيادة في عدد السكان .. و اغترارنا بعينات دائمة تحضر في مساجدنا لا يجوز أن يغلق أعيننا عن عينات وشرائح واسعة جلّها من المثقفين الأكاديميين و ذوي الاختصاصات العالية ممن لا يجد لنفسه مكانا في بيت الله يحقق له حداً أدنى من الفائدة وزيادة العلم التي يرجوها ..
نحن لاننقُدُ أنفسنا ولا نقبل النقد من الآخرين ..خطيب مسجد كان يتفاخر بأنه لا يعرف ماذا سيتكلم حتى يصعد المنبر ؛ خاطبه بعض المصلين وببالغ الأدب فانفجر في وجوههم بطريقة ستحرّم على أي واحد منهم أن يأتي بنصيحة لأحد يوماً ما و مهما كان العيب الموجود . إن الظلم و الديكتاتورية ليس شيئاً يقوم به الحكام بل شئ يصنعه الناس ببعضهم . واحترام مقام العالم لا يعني أبداً التغاضي عن جريمة إضاعة الوقت لآلاف العقول التي تأتي طائعة تنشد الفائدة فلا تخرج إلا بأقل القليل , لقد علمنا المربي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم كيف يكون البحث عن الحق والصواب ، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إنما أنا بشر و إنكم تختصمون إلي و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع , فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار)11.
فهل هناك موضوعية و نقد داخلي أعظم من هذا ؟ ليس من الظواهر السارة أن ترى بعض من يدرسون العلوم الشرعية لا يكاد أحدهم يتعلم شيئاً يسيراً حتى يبدأ بالتعالي على الناس و الغرور يملأ عطفيه ، وربما كان في مجلس فدخل من هو في سن أبيه وجده يحمل له الضيافة فينظر إليه نظر سيد إلى خادم , و ربما ظنَّ نفسه أبا حنيفةَ أو شافعيَ زمانه و نظر إلى الناس كما ينظر نظيف الثياب إلى قبيلة من الذباب تقترب منه .. وما كان الأئمة رضي الله عنهم ؛ بل تعلمنا من سيرهم أنهم كلما علا كعبهم في العلم ازدادوا تواضعاً وقد قال الشافعي رحمه الله : “كلما ازددت علماً ازددت معرفة بجهلي” وكان الجويني الملقب بإمام الحرمين أستاذ الغزالي يذهب من مجلسه فيقعد في مجالس طلابه يبغي العلم الذي ينقصه منهم .. وجاء قوم من مكان بعيد يريدون زيارة مولانا الشيخ محمد إلياس و جلسوا مع عشرات من الضيوف ينتظرون ؛ ودخل شيخ مسن يحمل “صينية” عليها أكواب الشاي فطاف بها عليهم ثم جلس ؛ ثم سأل بعضُهم : متى سيأتي الشيخ؟ وإذا بحامل الصينية هو الشيخ!! يزرع التواضع في قلبه وفي قلب تلامذته التزاماً بما روي من الهدى النبوي : ( سيد القوم خادمهم )12.
واجبنا احترام العالم و واجب العالم أن يتواضع . إن احترام العلماء والدعاة والصالحين ، والإقبال عليهم يوهب ولا يطلب والمخلص لا يلحقه! ترى كم من التواضع نحتاج حتى نهذب نفوسنا ، وكم من الإخلاص نحتاج حتى نَنْقُد أنفسنا .. الأمر يحتاج إلى مجاهدة طويلة ، وكلنا يتصوره سهلاً وما هو بالسهل و ليجرب أحدنا أن ينقد نفسه فإذا ظفر بشيء أساء به إلى الآخرين اعتذر منهم .. ( و لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )13.
القانون الثالث : من الشعور بالمسؤولية تُولد الشخصية : يقول الرافعي رحمه الله : ” إن لم يكن لك أثر في هذا الوجود فأنت زائد على هذا الوجود” و الناس جميعاً لديها طاقات مخبوءة وخصائص فذة ربما تبقى كامنة في الفرد حتى الممات ؛ دون أن تكتشف ، وسبب ذلك عدم إتاحة الفرصة لها .. إحدى المعادلات السهلة الصعبة : شكوى الآباء من ترهل نفوس أولادهم و ضحالة تفكيرهم وقليلون هم الذين يعترفون بأنهم السبب في ذلك ، فالتربية الطويلة أمر لا يقوم به الكثيرون والتعامل مع الابن و الابنة على أنهم أطفال سيبقيهم أطفالاً مهما بلغوا من العمر ، ولن تتحرك طاقاتهم ليأخذوا المواقع المناسبة لهم .. هذه الطريقة في التفكير غير سليمة ، والواجب أن نمنح حرية الحركة لمن تحت أيدينا وأن ندربهم على تحمل المسؤوليات والمهمات مع الرقابة البعيدة والإرشاد السليم ولا ريب أن هناك أشخاصٌ وربما أممٌ ليست أهلاً لتحمل مسؤوليات خطيرة ولكن هذا ليس بسبب عيب خلقي ولا تشوه جنيني ولكنه بسبب تصور اجتماعي وثقافي ، وبسبب الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الناس والتي ربما قتلت فيهم الإبداع و الاجتهاد وبعثت فيهم حب السكوت و إيثار السلامة حتى فيما لا خطر فيه .. و قد أرشد القرآن الكريم صراحة إلى تحمل المسؤولية للقيام بها حق القيام : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد و لن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغاً من الله و رسالاته )14.
إذا أردت أن تحقق مبدأك فتحرك به و هناك ستكتشف الإيجابيات في نفسك فتزداد تمسكاً بها و تكتشف السلبيات فتنأى عنها .. إن صراخك في وجه ابنك ألف مرة بأن هذا العمل سيئ لا يكفي ؛ مالم تضعه في إطار عملي تجعله يكتشف فيما حوله من الوقائع صدق ما تقول ، والداعية المنظر سيبقى فظَّاً غليظ القلب مالم ينزل إلى الساحة العملية ويجلس على الرصيف مع الناس ليحس بآلامهم و معاناتهم فتنصقل لديه الأساليب ويتحرك في ظلال الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم ( وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين )15.
و المرأة المسلمة لو انهالت الزواجر فوق رأسها كل يوم لم يكن لذلك أثر ما لم تحس في أعماقها بالمسؤولية ، و زرع الفضيلة و العفاف في كل موطن . انشغلت مجتمعات إسلامية عديدة وكتاب ومفكرون ودعاة وعلماء بالحماية والوصاية بدل التنمية و التعويد على المشاركة ، لذا فإن ضعف الشخصية على صعيد جماعي و فردي ليس علة مستغربة و التوجيه الشرعي موضحاً بجلاء ( و أمرهم شورى بينهم )16.
إنَّ غياب الشورى له معنى واضح : الاستبداد ثم انعدام المسؤولية ثم ذوبان الأفراد والمجتمعات بسبب دمار وقمع الطاقات والإمكانيات ، وأخطر من القمع و الاستبداد السياسي بكثير القمع و الاستبداد الاجتماعي ، لأن الجميع يقفون سدنة له و يحرسونه. القانون الرابع : يجب بث روح التفاؤل باستمرار : أحد أنواع الغيبوبة أن يشارك الجميع في بث الإحباط فيما بينهم فالدنيا لم تكن أسوأ يوماً من هذه الأيام و الأحوال لا تبشر بخير .. و اليهود قادمون لاحتلال كل شيء .. هذا المنطق مرفوض شرعاً و عقلاً ومن قال هلك الناس فهو أهلَكَهم .. إنَّ الشعور بالإحباط و انسداد الآفاق لا يحتاج إلى تحريض ولا تنشيط فهو يجتاح النفس البشرية بصورة آلية نتيجة الانكسارات التي تصادف الإنسان في هذه الأيام ، والذي يحتاج إلى معالجة وتوجيه وإصرار عنيد هو الشعور بالتفاؤل وإمكانية تحسن الأوضاع ، إذ إننا لن نكسب من وراء اليأس إلا انحسار وخمود النشاط وارتباك الوعي , ( و لا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )17.
ومن المهم في الظروف الصعبة استخراج الإيجابيات و خمائر الإصلاح و النهوض أما تعداد السلبيات فهذا مما يستطيعه كل أحد .. لا تقل هلكنا ولكن قل لا بد من منفذ للنجاة ، و لا تقل ضاع ابني أو ابنتي ولكن قل لا تزال هناك فرصة سأغتنمها ، ولا تقل لم يعد للفضيلة أنصار ولكن قل في قلوب الناس خير كثير ، ولا تقل الدنيا مظلمة اليوم و لكن قل غداً ستشرق الشمس مهما طال الليل .
إن النقد أيها الاخوة و الأخوات ليس الكشف عن العيوب فقط بل الكشف عن مساحاتِ الخير فيها .. ما تزال في القلوب نداوة الإيمان و إن المجتمعات في ظلال الإيمان لا تضيع ، نعم تمر بتجارب قاسية و لكن تلك التجارب إما أن تكون نصراً للأمة أو قبراً … من كان يظن أن حفنة من الجياع العراة ربيت على منهج رسول الله صلى الله عليه و آله سلم تخرج من جزيرة العرب فتتقصف تحت أرجلها دولة الفرس ودولة الرومان ؛ لقد كانت الدنيا تعيش في ظلام فامتد إليها النور فجلا عماها .. و هكذا تفيض الحياة الصالحة دائماً الحيوية و النماء . إن الشعور بتحدي الظروف المحيطة و الاستعانة بالله في ذلك كفيل بتحويل الأمور إلى الأفضل دائماً .. وإن إرادة التحدي مثلاً لدى الشعب الياباني قادته عند خوفه من المجاعة للعمل ليل نهار فأصبح من أمهر و أقوى شعوب الأرض في الاقتصاد ولكن شعوباً كثيرة تموت من الجوع لأنه سبب لها ذعراً فقدت معه معاقد التفكير السليم !! المهم أيها الأخوة والأخوات أن ننتصر على أنفسنا ، على ذواتنا من الداخل ، أن ننزع منها الإعجاب و الغرور والتكبر وأن لا نعتبر أنفسنا القمة والكمال والنهاية بل جزءاً من بناء عظيم لابد في كل يوم من زيادته وتحسينه وتفقد نقاط الضعف فيه ؛ يجب أن ندور مع الحق حيث دار وإلا جمدنا وهناك يكون الاضمحلال ورحم الله الإمام الجيلاني إذ يقول : ” العارف يتقلب في اليوم أربعين مرة ؛ والمنافق يقيم على حال واحدة أربعين عاماً” .
اللهم ارزقنا حسن الإنابة و حسن العمل و استعملنا صالحين ….
الخلاصة :
1. التفكير ضرورة شرعية و عقلية.
2. التفكير هو إعمال العقل لحل المشاكل و ليس بديلاً عن المبادئ و العقائد و العلوم.
من قوانين التفكير:1- كثير منا يذكر الماضي بصورة جيدة و لكنه يمر على دروسه بسرعة غريبة .
2- علينا امتلاك الشجاعة كي نراجع أفكارنا و نترك غير المفيد منها .
3- من الشعور بالمسؤولية تولد شخصية الأفراد والمجتمعات .
4ً- لا يأس بل تفاؤل في كل الأحوال و حسن ظن بالله .
- ألقيت هذه الخطبة بتاريخ الجمعة 11ذي الحجة 1420 هـ / 16آذار 2000م.
الإحالات :
1. القصص 59.
2. القصص70.
3. الأحزاب 40.
4. الروم 8 .
5. يوسف 2.
6. الحج 46 .
7. البقرة 170 .
8. الصف 2-4 .
9. الأنفال 46 .
10.الأنعام 116 .
11. البخاري ، المظالم والغصب 2458.
12. ذكر ابن دريد في المجتبى أن قوله صلى الله عليه وسلم : سيد القوم خادمهم في الكلمات التي تفرد بها صلى الله عليه وسلم ؛ وذكرت بعض المراجع أن الحديث في ابن ماجه ، ولم نجده فيه ، وقد وهم من قال أنه في أحد الكتب الستة ، لوروده بلفظ : (سيد القوم خادمهم ، وساقيهم آخرهم شربا) فالجملة الثانية صحيحة ؛ ابن ماجة ، الأشربة 3434 ؛ أما الجملة الأولى فلم ترد ، وفي كشف الخفاء ، حرف السين المهملة ، 1515: أن حديث : (سيد القوم خادمهم ) ضعيف ، وقد يقال أنه حسن لغيره لتعدد طرقه ، والله تعالى أعلم ، ونذكر بعدم الاستشهاد بحديث ضعيف لم تجتمع فيه شروط رواية الضعيف . وأن الصحيح ثم الحسن هو ماينبغي الاستشهاد به.
13. فصلت 35 .
14. الجن 23 .
15 الأنبياء ، 107.
16. شورى 38 .
17. يوسف 87 .