مرة أتتني أسئلة من مركز إسلامي في بلاد بعيدة، وآخر سؤالين هما: هل يجوز للمرأة المسلمة الحصول على شهادة قيادة للسيارة؟ والسؤال الذي بعده: فإن حصلت على الشهادة، فهل يجوز أن تقود السيارة؟! وليس العجيب هذين السؤالين بل ما بعدهما : مع الدليل!!
بعض المدارس لم تفرق بين الاعتقاد والفقه والعادة، وأقحمت الأمة في مضائق غير مسبوقة، فهذا يحدد زمناً لانتصار الاسلام، وآخر يكفر من يدخل برلماناً، وثالث يلغي مصطلح أهل القبلة عملياً ليكون على حق فقط من هو على رأيه، ولو كانوا خمسة عشر رجلاً، كما حصل معي في مجموعة تحاورت معها.
الإسلام الوسطي يحمل عقيدة الأمة التي ارتضتها لنفسها فطرة صادقة لا تبتعد عن مقاصد الشريعة في قليل ولا كثير قبل أن تتقاسم الأمة فرق كفر بعضها بعضاً، وفقهاً بسيطاً سهلاً يحقق ماكان عليه سلف الأمة قبل تعقيدات محلها الكتب لا ساحات الحياة، وأخلاقاً سامية تهفو إليها المجتمعات ويحبها غير المسلم لما فيها من نقاء واستقامة وانصاف، وغيرة فطرية مع شجاعة لا تقتلها حزبية ولا سياسة ولا أموال تشتري الدين كله كما تشاء.
هذا إسلامنا الوسطي الذي يعرفه كل الناس وتعيشه المجتمعات المسلمة التي احترقت من بعض أصحاب الفرق والمذاهب والكتب والسياسة والأموال.
تأصيله أكبر من أن يحيط به مفكر ولا كاتب ولا عالم، ومهما كتبوا فهم يسيرون على سواحله، لأنه حصيلة امتداد طويل مبثوث في آلاف الشواهد على كل صعيد.
من السذاجة أن يأتي حزب سياسي أو أي منهج فكري فيطرح للناس أوراقاً أو مجلداً مؤصلاً (وهذا حقه) ويتبعه مئات أو ألوف من الناس، ثم يظن أن منهجه مؤصل وهذا الإسلام الوسطي ضائع لا تأصيل له.
الإسلام الوسطي حملته وتحمله مجتمعات هائلة تعيد التوازن إليه كلما اقتحمه بعض أصحاب الأفكار المنفردة ، التي لا تزيد الأمة إلا عناء.
الإسلام الوسطي أصّـل نفسه منذ قرون، وبقي ملهم المجتمعات المسلمة وصمام أمانها، وامتد في علماء وكتب وأفكار وأخلاق، بل في ثقافات كاملة، كانت تعرف برصيدها المعرفي العميق الإجابة عن كثير من الاسئلة التي نتوه نحن المساكين اليوم فيها،،، من قيادة الدولة إلى قيادة السيارات.
أحمد معاذ الخطيب الحسني