إلى الغاليين جداً على قلبي : سامي ونادية ، ترحيباً بعودتكما بعد رحلة تيه ….
من عيوب بعض المتحدثين عن الإسلام ، أنهم لا يستطيعون شرحه إلا إذا أظهروا سلبيات الآخرين ، وطالما نأيت بنفسي عن ذلك وذكّرتُ من حولي أن الحق يقف بنفسه ولا يعتمد على ضعف غيره ليظهر.
أتابع ما يكتبه بعض الكارهين للإسلام ، لا لنمط عدواني دموي داعشي ، بل كرهاً له بالجملة كمنهج وحباة وعقيدة وسلوك فيتملكني العجب ..
نفس خطأ بعض الإسلاميين ، يأتي ممجوجاً مع قلة البضاعة والجهل الشديد.
يتحدثون عن مبادئ سامية يحملونها ، ولا يجدون طريقة لشرح ذلك إلا في سب الإسلام ديناً ومنهجاً ومجتمعات وأخلاقاً ، والأعجب أنه ما يثيرونه من شبهات بعضه يحتاج لإلقاء الضوء عليه ، وبعضه خوف من فوات شهوات لا تخفى من كلام أصحابها ، والعديدون وللإنصاف ليس الكل يأبون إلا إضافة مفردات سوقية تدل على إفلاس أخلاقي مريع ، ونفسيات مشوهة بشكل عميق.
ينسفون مرجعيات كاملة ثم يقدمون نماذج شخصية ، فيها إيجابيات قليلة وعلل هائلة ..
يمر أحدهم بتجربة عقيمة فيختصر الإسلام كله فيها ، ويستغل موجة الجهل الداعشي فيصيح محذراً من الإسلام كله ، حاشراً له في ثقب إبرة ، ظاناً أن تجربته ، أو تجربة كل أصحابه مع أجدادهم جميعاً حجة دامغة لنسف الإسلام كله ..
قال أحدهم : أكره الحرفية في التفكير وما أدت إليه من جمود ، فقلت له الحق معك ، ولكن دونك كتب المقاصد من الموافقات بل من غياث الأمم إلى ماكتبه الدكتور الريسوني أطال الله عمره.
وقال آخر : ضقت ذرعاً بتفكير بعض الإسلاميين وتضييقهم على الناس فقلت له : الحق معك ، ولعلك لم تتعرف على منهج الأستاذ الغنوشي في : الحريات العامة في الدولة الإسلامية ..
وقال ثالث : ضاقت صدورنا بمرويات لا نطيقها في البخاري فمن دونه! فقلت : العلم واسع وعليك أن تطلع على مقدمة العسقلاني ، وانتقادات الدارقطني ، ولعلك لا تطيق ذلك فاطلع على ما كتبه الغزالي المعاصر عن السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.
وقال آخر : سئمت السيرة التي كلها حروب وقتال! فقلت لا عليك فهناك بضعة ألوف من الكتب في كل جوانب سيرة النبي الهادي ، ولعل أبسطها : السيرة النبوية للإمام أبي الحسن الندوي ، إن لم ترد السباحة مع زاد المعاد لا بن القيم.
فانبرى آخر ليقول : لا يوجد نقد جرئ لأي شيء حدث من قبل! فقلت عجباً! أظنك معافى من أفكار المودوي في رائعته : الُملك، والخلافات السياسية بين الصحابة لأخينا محمد بن المختار الشنقيطي ، أما إن أردت غوصاً من نوع خاص فلك غنية في: العَلَمُ الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ! للعلامة المَقبلي.
أحدهم قال : لا أتحمل أن يقول أحد المشائخ أن نظرية التطور كفر! فقلت له : نعتقد أن هناك إلهاً لهذا الكون ولا يهمنا بعد ذلك إن حصل الخلق بشكل مباشر أم بالتطور فما يثبته العلم نأخذ به ، ولو كنت فطناً لعرفت أنه منذ أكثر من مائة عام كتب العلامة حسين الجسر في الرسالة الحميدية عن هذا الأمر ولم يرفض التطور فيه ، ولكن الدكتور صبحي الصالح في معالم الشريعة الإسلامية تبنى (النظرية) جهاراً واستدل لها فاطلع على ذلك ..
هز أحدهم برأسه متمتماً: المشكلة ياشيخنا في التكفير.. فكر التكفير! فأجبته هذا صحيح ونرى أن منهجاً واسعاً قد تم تشويهه، ولعلك إن اطلعت على فكر الإمام الغزالي في فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة لرأيت عجباً أوصله إلى أن يقول أن كثيراً من الكفار ابتعدوا بسببنا ، ونستوسع رحمة الله لهم! فقال : لا أحس بالخشية عند ذكر النار بل بالرعب! فابتسمت وقلت مداعباً : ابن تيمية نفسه انفرد برأي غريب : أن النار مرحلة ثم تنتهي! فهون عليك ، فلا أظنك تبقى فيها.
هجم أحدهم بضراوة يتحدث عن المرأة! فقلت له : نعم حفنا جهل شديد ولكن لدينا فقه واسع تعيشه ملايين المسلمات، فكن فطناً وافهمه ،أبرزه حديثا المرحوم أبو شقة في تحرير المرأة في عصر الرسالة (6 أجزاء) وأبدعت بصياغته بنت الشاطئ ، ود. فاطمة المرنيسي في كتاباتها الرائعة عن المرأة المسلمة ، وتجد عنه نموذجاً في الأخت الشهيدة الأميركية التي قتلها ملحد قالوا أنه مختل في الولايات المتحدة منذ أسبوع.
بلطف قال أحدهم : ليس في الإسلام فن ولا موسيقا ولا حديث عن الحب!! فقلت مدهوشاً : أتراك غفلت عن عواصمنا التي تدمر واحدة بعد الأخرى من بغداد إلى دمشق فالقاهرة ونسيت الأندلس وتاريخ المسلمين في اواسط آسية وتركيا والهند بل حتى صحارى أفريقية! ألم تر كل الحضارة والفن النابع منها ، ثم ألم تتعرف على الغزالي مروراً بالنابلسي الدمشقي ، وألم تعلم أن شيخنا القاسمي كان إذا سمع صوت الناي رق قلبه وربما بكى! وعجبي من الجهل لا ينقضي بخفاء روضة المحبين وطوق الحمامة عن ناظريك! أما الحب فهل تظن المسلم حجراً أصم لا عاطفة فيه ولا لوعة ، وخبرني بربك كيف نمتد في الأرض كلها وتكون لنا أمهات وأخوات وزوجات وأولاد وبنات و لكثير من الشباب والصبايا أحبة وحبيبات يأملون أن يضمهم بيت يلم شملهم يوماً .. أكل هذا الحب لم تره يا مسكين ..
قال : تعبت في فهم القرآن! ولم ترو غليلي بعض التفاسير! فأجبته : إن كنت تريد اتباع شهواتك وشبهاتك فأسأل الله لك الهداية ولكنك ستبقى في ظلمات النفس عقوبة لك على اتباع هواك ، أما أن كنت تبحث فدونك تفسير المنار ، وتفسير القاسمي، وأقدم عليها : تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ففيه من المعاني والإشارات ما لا يخطر ببالك.
مضينا في سجال قد يطول نقله هنا ولكني أختم خلاصته بأن أقول لبعض الكارهين وبعض من لا يعلمون : قد تكون هناك نقاط سوداء ، وتجارب مريرة ، ولكننا عشنا الإسلام وتربينا عليه إيماناً صافياً ومنهجاً يلم الناس ومحبة وعطاء وإيثاراً ..
عرفنا الإسلام خلقاً وسلوكاً ومحبة ومدنية وحضارة وعبادة وفناً نظيفا ورقيا، وامتزج في عقولنا وقلوبنا وتذوقنا حلاوته ، وعرفنا الكثيرين من إخوتنا وأخواتنا في هذا الدرب ، وربما احتوشهم بعض الماكرين والكارهين للدين وأهله ، فأضلوهم ولكنهم سيعودون ..
عرفنا الدين التزاماً ومقاصد وتواصلاً ، وأدباً وحياء ، وسمواً وتوزناً ، وحفاظاً على الفرد والأسرة والمجتمع ، وعدلاً وكرامة، وعدم رضا بالظلم وخروجاً من تيه الضعف وسراديب التاريخ وعقده.
ليست بعض تجاربكم هي مقياس التقييم ، ولا كلماتكم السوقية ولا هجومكم الشرس بلا خجل ولا منطق ، ولا علم ولا إنصاف..
نحن نمر بتحديات حقيقة سياسية واجتماعية ودينية وتربوية ونحتاج إلى تجديد خطابنا و فهمنا للعديد من الأمور ، وهناك قضايا عديدة قصرنا في تناولها واتخاذ موقف حولها ، وأمامنا عمل جبار وطويل.
نحن مقصرون في واجبات كثيرة فردية وجماعية ، وتتناوشنا ذنوب فردية وجماعية بحكم بشريتنا ثم كسلنا التاريخي أحياناً أخرى.
ورغم كل ذلك فإن ديننا لم نفهمه تحت مظلة حاكم ظالم ولا صاحب عمامة يبيع دينه لمنفعة خسيسة ، ولن نفهمه من خلال فيلسوف أعمى ، ولا إلحاد مغرور ، ولا مظاهر جوفاء ..
الإسلام أوسع من ذلك كله ، وهناك الكثيرون يتبنون أموراً ثم يجعلونها هي الإسلام ، ثم يصدقون ذلك ، ثم يفترون ماشاؤوا ..
قليلاً من التعلم والحياء ، فمن جهل شيئاً عاداه ..
المسلم الجاهل ، والكاره للإسلام المغرور ، كلاهما يحتاجان إلى أمر ضروري : التوبة من الجهل المخيم حتى يتبين الطريق.
أحمد معاذ الخطيب
20 شباط 2015