أجرى الحوار: أحمد إبراهيم
** خروج آمن لبشار الأسد يرضي غالبية السوريين ولكن دون إعطاء ضمانات عن عدم ملاحقته جنائياً
** الأكراد لا يرغبون بالانفصال.. والتقسيم يحصل بسبب الفوضى والجهات الإقليمية والدولية تدفع إليه
** التدخل العسكري في سوريا أمر مرفوض وهذه نقطة أساسية.. أنا مؤمن بوجود منفذ لحل الأزمة السورية ونحن في اللحظات الأخيرة
** أداء دي ميستورا أضعف مما يجب بكثير.. والائتلاف السوري يدخل في دوامات لا داعي لها.. وأنا لا أبحث عن منصب سياسي
** زهران علوش قائد عسكري متميز ويعاني من ظلم الكثيرين الذين اتهموه بأنه خريج سجون النظام
** لا أخشى على الأقليات من الثوار بل أخشى عليهم من الذين يضعون واجهات إسلامية متطرفة
** غالبية الثوار لا يبحثون عن الانتقام بل عن العدل.. والأطراف المقاتلة في سوريا يتم دعمها لتدمير الدولة
أوضح الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض سابقاً وخطيب الجامع الأموي، أن عمل المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لا يتماشى مع متطلبات الشعب السوري، مؤكداً أن الهدف من إطالة الحرب في سوريا هو تدميرها وإضعافها كما حدث في العراق، مُشدّداً على أن التقسيم لن ينهي الصراع في سوريا بل سيزيد من نزيف الدم، وأن الإعلام هو الذي يوحي بأن الأكراد يرغبون بالانفصال وهذا أمر غير صحيح.
وقال “الخطيب” خلال حواره مع “بوابة الشرق”: إن عناصر جبهة النصرة هم أبناؤنا وعلينا أن نتواصل معهم لنبحث عن حل لإنقاذ البلد، موضحاً أن الظروف الداخلية هي التي تدفع الشباب إلى الانضمام لجبهة النصرة أو إلى تنظيم داعش.
وفي ما يخص زهران علوش والقوة العسكرية التي معه، قال “الخطيب”: إنهم هم الذين يحمون دمشق من داعش ومن النظام، وعلينا أن ننتقدَهم بشكل بنّاء ويجب المحافظة على هذه القوى، معتبراً أن الخوف على الأقليات هو أمر مخجل لأن الأكثرية هي التي تعاني من القتل والدمار..
فإلى نص الحوار:
* يرى الكثير أنك شخصية توافقية لها تأثيرها في الشارع السوري.. لمَ لا تعمل على تشكيل تيار سياسي يمثل المعارضة تحت قيادتك؟
ـ تشكيل تيار سياسي هو وسيلة وليس هدفاً، وعندما تكون هذه الوسيلة مطلوبة فيجب العمل لها، وأنا لست منقطعاً عن الساحة ولكن لا أريد أن أسبب نوعاً من الانشقاق داخلها، والأجسام السياسية الموجودة رغم تباين الآراء حولها، برأيي أن نتركها تعمل ونحن نعمل أيضاً من دون إحداث شرخ قد يؤدي إلى انهيار بعض المؤسسات الأخرى، لأن الوضع يحتاج إلى التكاتف وليس إلى الشرذمة.
* كيف ترى تعامل المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا مع الملف السوري؟
ـ الأداء أضعف مما يجب بكثير!! ولم يكن هناك تفهم حقيقي لمتطلبات السوريين، مع نوع من الأفق الضيق في إدراك الوضع، وأرجو أن تكون الاجتماعات التي تحصل وسيلة إلى مواقف واضحة من قبل الهيئات الدولية حول سوريا، فقد تأخرت تلك الهيئات وتلكّأت، بل وأسهمت في إيصال الحالة إلى ما هي عليه.
* هل ترى أن هناك حلاً عسكرياً يلوح في الأفق في سوريا الآن؟
ـ بما أن الهدف كان تدمير العراق خلال عشر سنوات سابقة، فالآن الهدف هو تدمير سوريا، لذلك الأطراف المقاتلة على الأرض السورية يتم دعمها بحيث تبقى تقاتل مثل مباريات الملاكمة أو المصارعة، ويبقى المتابعون مستمتعون، فالدول ذات المصالح التي لا تتوافق مع الشعب السوري ومصالحها تطيل أمد النظام، وتدعم الأطراف لتستمر في الصراع، ولإخراج سوريا ضعيفة ومنهكة، وبالتالي فالحل العسكري لن يأتي بسهولة، وقد يكون هناك سيول من الدماء أكثر من كل ما مضى.
* هل ما زلت ضد أي تدخل عسكري في سوريا؟
ـ الأساس في أي مسألة وطنية هو رفض التدخل العسكري. لا يوجد إنسان يحب بلده ويرغب بتدخل عسكري أجنبي. لا إقليمي ولا دولي وهذه نقطة أساسية.. الشعب السوري تم اضطهاده من قبل النظام بطريقة متوحشة غير مسبوقة، أدت إلى المطالبة بنوع من التدخل بالحد الأدنى لإنقاذ المدنيين، كحظر جوي مثلاً يمنع من قصف الطائرات للعزل من الناس، وهناك تدخل بري أو اجتياح عسكري، وهذا أمر مرفوض، والذي نريده على الأقل هو منع الطائرات التي تلقي الحمم على المدنيين، وحتى الآن نرى القوى المسيطرة على الساحة تكذب على الشعب السوري، وهي لا تريد أن تساعده، ولم تتخذ الحد الأدنى لحماية الناس، مع أنه كان ممكناً القيام ببعض الخطوات البسيطة التي تدرأ عن المدنيين تلك الحمم، التي تنزل عليهم ليل نهار.
هل الأكراد يريدون الانفصال؟
ـ أسمع بأن كثيراً من القوى السياسية ووسائل الإعلام تتحدث عن أن الإخوة الأكراد يريدون الانفصال، ولكن الناس الذين أعرفهم على الأقل من الإخوة الأكراد، لم يقل أحد منهم بأنه يريد الانفصال، هم فقط يرفضون أي نوع من السيطرة المخابراتية التي كانت موجودة، ويريدون نوعاً من الحقوق الثقافية والقومية لهم، وهذا أمر يمكن التفاهم عليه.. هم بذلك لا يرغبون بالانفصال، ولكن هناك أطراف تشجع على هذا الأمر لإدخال المنطقة في دوامات، ولإبقاء النزاعات موجودة بين الجميع.
* الكثير يتحدث عن أن التقسيم قد أصبح جلياً أكثر من قبل، هل ترى أن التقسيم قد أصبح حلاً سيُفرض على الجميع لوقف شلال الدم؟
ـ كلمة التقسيم سهلة، ولكن الأمر لا يحصل عن طريق مفاوضات، وتفاهمات سياسية وإرادات شعبية، بل عن طريق المزيد من الفوضى والاقتتال الذي يؤدي إلى تنافر لا يمكن “لمه” فيما بعد، أو إنهائه إلا بالتقسيم، وحتى الآن هذا الموضوع ليس قدَراً لا يمكن إيقافه. طبعا الأمر يُدفع إليه إعلامياً، وبعض الجهات الإقليمية أو الدولية تدفع باتجاهه، ولكن هذا لا يعني أن التقسيم نقطة نهائية. وفي كل الحالات فهو لن ينهي النزاع، وسيكون هناك فترة طويلة من الفوضى، قبل أن تستقر توازنات هذه الدويلات المراد لها أن تنشأ.
* كيف ترى عمل الائتلاف السوري المعارض اليوم، وهل مازلت على علاقة مع أعضائه؟
ـ العلاقة مع أعضاء الائتلاف طيبة كعلاقة شخصية، ولكني غير مطمئن لأدائه السياسي، وهو مازال يدخل في دوامات لا داعي لها، وعرضة لضغوط إقليمية وحزبية لا يتخلص منها، وكثير من الوقائع لا يتخذ فيها موقف واضح، والتشرذم الذي في داخله يمنعه من القيام بأي دور فعّال في المرحلة الحالية، والمرحلة المقبلة.
* الائتلاف طرح نفسه كممثل سياسي للشعب السوري، وعليه إما أن يأخد هذا الأمر بحق وجدية، أو يعتزل ويعتذر عن هذه المسؤولية.
هل ما تزال تقبل بخروج آمن لبشار الأسد كبداية للحل؟
ـ المبادرة التي كانت في 23 أيار (مايو) 2013 من أجل خروج بشار الأسد مع 500 شخص، كانت فرصة ثمينة، وأقول: إذا كان هذا الحل مطروحاً فليحدث اليوم قبل الغد، ولكن للأسف الشديد فإن النظام في دمشق والمعارضة المتخشبة، كانوا سبباً في تعطيل هذا المشروع..
أنا إلى اليوم أقول وأنا مسؤول عن كلامي: إن غالبية الشعب السوري ممن ضد النظام أو مع النظام، ترضى بهذا الحل لإيقاف الدم. مع العلم بأن ذلك لا يعطي صك براءة لأي جرائم حصلت، فحقوق الناس لا يمكن لأحد أن يسامح بها إلا أصحابها، وهي مصانة وموجودة ولكن شلالات الدم إذا كانت ستحقن بهذا الخروج فليكن..
والمبادرة نفسها لم تعطِ أي ضمانات قانونية، بل يبقى للناس متابعة وملاحقة حقوقها في المحاكم والمحافل الدولية، ولكن كفى الشعبَ السوريَّ ما سال منه من الدماء، وما يدفعه من ضريبة نتيجة النزاعات والصراعات والمصالح الإقليمية والدولية، ونحن نريد أن يتوقف الدم بأي طريقة.
* إذا تم اتفاق دولي حول سوريا وتشكيل حكومة مشتركة بين المعارضة والنظام، وعرض عليك منصب سياسي في هذه الحكومة هل ستقبل؟
ـ لا أبحث عن أي منصب سياسي، فالمناصب هي وسيلة لخدمة البلد، وأحياناً يضطر بعض الناس لاقتحامها من أجل خدمة بلدهم، كما أن أشخاصاً يتشوقون لها.. شخصياً أرغب بمجال اجتماعي أستطيع أن أفيد به الناس، وهذا أفضل وأكثر فائدة من المناصب السياسية.
ـ بعد خروجك من الائتلاف هل ترى أن معاذ الخطيب قادر أن يقدم الكثير للشعب السوري؟
ـ الإنسان مهما بذل لبلده يكون قليلاً، وينبغي ألا يفكر في لحظة من اللحظات، أنه قد قدم شيئاً كافياً. أنا وغيري نعمل من أجل بلدنا، لكن الحاجة أكبر، وما نقدمه أقل من الحد الأدنى، ولا مِنَّةَ للإنسان على أهله وبلده.
* ما هو موقفك من جبهة النصرة؟
ـ الفكر الذي تنطلق منه جبهة النصرة لا نراه صواباً، لأنه فكر تصادمي مع العالم، وجبهة النصرة أعلنت ونسبت نفسها إلى القاعدة، ونحن نفهم الإسلام نقطة جذب للعالم.. ولكن في نفس الوقت إذا كان النظام الذي توحش علينا، نقول: إنه يمكن التفاوض معه من أجل إيقاف حمامات الدم، فما بالك بأشخاص قاموا من أجل نصرة بلدهم، والجبهة فيها آلاف من الشباب السوري، وهؤلاء أبناؤنا، ونحن نريد أن نتواصل معهم ونتفاوض معهم، ونبحث عن حل لإنقاذ البلد من دون الوقوع في فخ النظام، ولا في فخ أفكار القاعدة.
* ولكن ألا ترى أن تحالف كتائب الثورة مع جبهة النصرة، وعدم فك ارتباطهم بها، وهي الموضوعة على قائمة الإرهاب سيشوه الثورة لدى الرأي العام العالمي؟
ـ الثوار في الداخل وقعوا بين أمرين أحلاهُما مرٌّ، جبهة النصرة موجودة، وأقامت علاقات مع مختلف القوى، وهم يواجهون كثيراً من الأمور معاً، فابتعادهم عنها يؤدي إلى إضعاف الجميع، واقترابهم منها يؤدي أيضاً إلى سلبيات منها “التحشيد” الإعلامي والسياسي، من قبل النظام وحلفائه..
والموضوع في الداخل لا يمكن فهمه من الخارج. على سبيل المثال؛ الإنسان الذي يجلس للإفطار مع أطفاله وأسرته في حي آمن مدني، لا يوجد به قوات عسكرية أبداً، فلا ترى إلا البراميل نزلت فوق رأسه وتطاير أطفاله أشلاء بين يديه، هذا الإنسان ماذا يفعل؟ بالتأكيد سيبحث عن حماية وعن قوة، وسيبحث عن مقاومة للظلم، فيجد أمامه فصائل مختلفة، قد لا يتوافق مع كثير من أفكارها، ولكن هو يريد انتماءً ما، ويريد هوية معينة، فالظروف وضعت الكثيرين من الشباب في مفترق حاسم، أدى إلى ذهاب الكثيرين منهم إلى جبهة النصرة، وكثيرين أيضاً إلى داعش..
ثم إن تلكؤ القوى الدولية عن نصرة الشعب السوري جعلت الكثير من الشباب غير قادرين على التفكير بشكل سليم، فبعضهم لا يستطيع أن يتجاوز الظرف المحيط به، ولا يستطيع أن يحاكمه، وإذا حاكمه لا يستطيع أن يتجاوز آثاره، فيضطر إلى أن يذهب إلى هنا أو هنا، فنحن يجب ألا نكون جلادين للضحايا أكثر. نحن نرفض فكر “النصرة” وفي نفس الوقت ندرك المأساة الإنسانية، التي يعيشها أبناء الشعب السوري اليوم.
* هل تؤيد الضربات الأمريكية وقوى التحالف على داعش؟
ـ هذا الأمر ليس جوابه بنعم أو لا، وأنا أسأل ما هو الهدف من ذلك؟
* لنفترض أن الهدف هو محاربة الإرهاب، والقضاء على داعش هل ستؤيده؟
ـ القضاء على داعش لماذا؟ وما الغاية منه؟ ولماذا لم يكن هناك نصرة للشعب السوري الذي يسفك دمه منذ أربع سنوات؟ أنا أتكلم كمبدأ عام، والذي يُهِمني هنا هو الشعب السوري، ولا أريد ـ بحجة مكافحة الإرهاب ـ أن تغلق ملفات الدماء وحقوق مئات الآلاف من الشهداء، من أجل معركة من يتصدى لها في الظاهر هو أحد عوامل نشوئها وقوتها.. وبصراحة أنا أرى أن الموضوع هو مصالح دولية، لم تنظر إلى مصلحة الشعب السوري. لذلك لا يوجد لدي جواب لهذا السؤال.
* أفهم من حديثك أن محاربة النظام والقضاء عليه، أهم من القضاء على داعش؟
ـ كف الأيدي الإقليمية والدولية التي تتدخل في سوريا هو المطلوب أولاً، وعندها ستنتهي داعش وسينتهي النظام.
* وفي حال توجيه ضربات من قوى التحالف على جبهة النصرة، كيف ترى الأمر من جانبك؟
ـ أقول مرة ثانية: هل هذا في مصلحة الشعب السوري أم هو لإرضاء مصالح وأفكار إقليمية ودولية. أنا حتى الآن لم أجد مشروعاً دولياً يبحث عن نصرة الشعب السوري، ولذلك لا يهمني أي شيء ليس هدفه استقرار سوريا وشعبها.
* إذاً ما هي الخطوات الواجب على جبهة النصرة اتخاذُها لتبعد عنها الشبهات؟
ـ هذا الكلام تم توجيهه لجبهة النصرة منذ أكثر من سنتين، لفك ارتباطها بالقاعدة، وجعل سوريا هي سقف حراكها، وتغيير اسمها، وهذا الأمر واجهه البعض بشراسة وضراوة في ذلك الوقت، ولكني سمعت في الأشهر الأخيرة بأنهم ـ في أجوائهم القريبة ـ أصبحوا يتداولون هذا الأمر فيما بينهم.
* كيف ترى زهران علوش كشخصية قيادية في ظل الانتقادات الموجهة له؟
ـ أبو عبدالله زهران علوش شخص ظُلم، وكثير من الأقلام تنتقده بأنه كان خريج سجن صيدنايا، وكأن هذه جريمة، ففضلاً عن سجنه وتعذيبه الشديد بداية من فرع فلسطين وانتهاء بصيدنايا ـ وقد اعتقل لفترات طويلة مقيد اليدين في زنزانته الانفرادية ـ فوق كل ذلك نجد بعض الساخطين عليه يُعيِّرونه بأنه كان في السجن وأخرجه النظام..
نعم كان في السجن، وهذه المعانات ليست شيئاً قليلاً، ومن ينتقدونه لم يمروا بهذا الظرف الذي مر به، وقد خرج الرجل من زنزانته وسجنه وفي نفسه آمال بإنقاذ بلده بطريقة ما..
سيقول البعض: إن النظام عمد إلى إخراجه هو وعدد من المعتقلين، لأنه يعرف بأن هؤلاء المعتقلين سيخرجون وفي نفوسهم مشاعر معينة، وقد يقودون الثورة باتجاه معين، وقد يكون هذا صحيحاً. ولكن أقول في نفس الوقت: هل هو ذنب لأي إنسان أن يعتقل، وأن يكون لديه تفكير في إنقاذ بلده؟ أعتقد بأن ذلك ليس جريمة..
زهران علوش إنسان تعتريه العوامل البشرية من الخطأ ومن الصواب والضعف والقوة، وما يبلغنا من الأخطاء نتواصل معه لأجلها في بعض الأحيان، وننجح في حل بعض الأمور، ولا ننجح في أخرى، وفي هذا الظرف فليس الهدف مجرد الانتقاد، ولا أظنه يحقق نتيجة، والصواب أن يكون مع النقد ترشيدٌ، ودفعٌ نحو الأصوب، والحرص على زهران علوش، والقوى الموجودة خلفه، هم وبالتوازي مع ثوار حوران يشكلون كماشة في وجه النظام، وحتى الآن، فالقوة الحقيقية التي تقف في وجه داعش هم هؤلاء الثوار، كما يمنعون النظام من اقتحام مناطق الغوطة.. تقييمي لزهران علوش بأنه قائد عسكري متميز، يواجه ظروفاً صعبة للغاية، ومحاط بمعادلات معقدة.
وسأكشف سراً لكي أوضح الصورة بشكل أفضل، فأقول: هناك ضغوط شديدة من دول مختلفة من أجل إدخاله في مشاريع معينة، قد لا توافق مصلحة الشعب السوري في قليل ولا كثير.. لا يُقيّم أي شخص بنوع من النزق، نتيجة موقف معين، بل يجب أن يكون هناك تقييم عام وموضوعي، ويتخذ من بعده موقفاً مناسباً وإيجابياً، من أجل تجاوز الأخطاء، والتأكد من عدم استمرارها.
* وما هو ردك بالنسبة للانتقادات؟
ـ الخطأ مردود على صاحبه، وأقول بصراحة: نعم هؤلاء الإخوة يرتكبون أخطاء كبيرة، وهذه الأخطاء ينبغي ألا نسكت عنها، ولكن هناك فرق بين إنسان يحرص على إزالة الخطأ من أجل المحافظة على الجسم العام، وبين أشخاص آخرون لديهم إيديولوجيات واضحة، فهم ينهشون من لحم الثوار في الليل والنهار، وربما وفروا من لحم النظام، وهم لا يدركون مخاطر ما يفعلون.
* ما هي الرسالة التي توجهها لكل مقاتل في المعارضة السورية؛ بغض النظر عن الفصيل الذي ينتمي إليه؟
ـ أقول لكل مقاتل في المعارضة: إن بلدك سوريا وأنت تعرفها، وتعرف تركيبتها، وأفكار أهلها، وكيف يعيشون؟ وهذا الشيء يجب أن نحافظ عليه، لأن هناك أيديَ إقليمية، وأيديَ دولية تلعب، وتحاول اللعب بنا جميعاً، وهذا ليس في مصلحة السوريين.
ثانياً: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، هذه النزاعات الصغيرة والبحث عن نصرة أفكار وأيديولوجيات ضيقة، يزيد من ضعف الثورة السورية، ويزيد من معاناة وآلام الشعب السوري.
ثالثاً: القتال ليس هدفاً، بل وسيلة من أجل حرية هذا الشعب، وعلى المقاتل الذي يؤمن ببلده، ويحرص عليه، ويرفع راية الإيمان فوق رأسه، أن يلتزم بمقتضياته الأخلاقية، وأن يلم شعبه، وأن يكون عامل أمان، ويبتعد عن كل السلبيات التي قد تحصل في حالات الفوضى؛ كالسلب، والنهب، والاعتداء على الممتلكات، والتعرض لحرمات الناس؛ ومنها الخطف والابتزاز، لأن هذا يسيء ليس إلى ثائر معين ولا إلى فصيل بل يسيء الى الثورة كلها، وإلى صورتها في العالم كله.
كل فرد من الثوار هو ممثل لسوريا كلها، وعليه أن يكون قدوة حسنة، وإنساناً فعالاً وعامل بناء ورص لصفوف الشعب السوري، وإعادته إلى حرية حقيقية، وليس الخروج من وضع استبدادي إلى وضع فوضوي.
* كيف ترى مستقبل سوريا؟
ـ لا أخفيك بأني أشعر بقلق شديد كما يشعر الكثير من الإخوة، ولكن رغم كل ما حدث في سوريا، لا يزال يحدوني أمل، ولا أقول بأنه كبير، ولكني مؤمن بوجود منفذ ما، ونحن في اللحظات الأخيرة.. سوريا بصراحة لن ترجع مثلما كانت، وهي تحتاج إلى وقت طويل سواء على الصعيد العمراني والاقتصادي والاجتماعي، لأن الخسارة التي أصابتنا تفوق التصور في كل المجالات.
* هل ترى أن الثأر مشكلة ستواجه المجتمع السوري في المستقبل؟
ـ لا.. الثأر ليس ثقافة عند الشعب السوري، والناس تبحث عن العدالة لا الانتقام.
* هل الدماء الغزيرة التي نزفت، قد تجعل منه ثقافة؟
ـ انظر إلى الثوار الذين ابتُلوا وتعرضوا لأبشع ما يمكن أن يتعرض له أي شخص، تبقى الكثرة الكاثرة منهم أناساً عقلاء، يعرفون أن في الدنيا محاكم، ويعرفون أن هناك قضاء، وأنه يجب أن تسير الأمور ضمن مسار يحقن المزيد من الدماء. أمر طبيعي أن يوجد هامش من الناس، لا يتحملون هذا الكلام، ويريدون أن يتصرفوا بطريقة فردية، ولكن إلى الآن الغالبية من الشعب السوري من الثوار، يبحثون عن العدالة، وقد قاموا من أجل العدالة والحرية، ولم يقوموا من أجل الفوضى والانتقام الفردي الأعمى.
* ما هو مستقبل الأقليات في سوريا، وأغلب القوى المتصارعة هي قوى إسلامية؟ هل ترى أن هذه القوى ستحتضن هذه الأقليات، أم إن الدم سينزف أكثر من قبل؟
ـ أغلبية قوى الثورة لا يخشى منها، لا على الأقليات، ولا على غيرها، ونحن نشعر بالخطر على الأكثرية، لأن الجميع يرى أن دماء الأكثرية هي التي تنزف، ولا أحد يتحدث عنها، وهذا فعلاً مخجل على صعيد السياسة الدولية..
إن موضوع الأقليات أمر معروف من القرن السادس عشر، والسابع عشر، عندما انفردت كل دولة كبرى في ذلك الوقت برعاية إحدى الأقليات، لا حرصاً عليها، ولكن كنوع من تمدد النفوذ السياسي، والتدخل الماكر الخبيث، وحتى الآن هي تزعم ذلك، وهي التي توقد الأمور، وقد ذكرت لمسؤولين كبار ـ في أكثر من دولة ـ وقلت لهم: طريقة تعاملكم مع الأقليات والأكثريات وغيرها، هي التي تؤدي إلى نشوب صراعات..
نحن في سوريا ما كنا نتحدث لا في أكثرية ولا في أقلية، نحن نقول: إن هذا الشعب يتعرض بمجموعه إلى نوع من القمع والاستبداد، ولا بد أن يحصل على حريته، فأتى بعض المتحذلقين والماكرين، وبدأوا يتكلمون عن الأقليات بطريقة متكررة، حتى أوجدوا في عقول البعض هذه المشكلة، ليصدقوها، وبعد ذلك أتى بعض المتعصبين الأيديولوجيين ـ ضمن جسم الثورة، والذين يضعون واجهات إسلامية متطرفة ـ وفاقموا الأمر، واستفاد منهم هؤلاء الخصوم الماكرون ليؤججوا العالم.
أقول: حتى الآن الكثرة من أبناء الثورة السورية، هم أشخاص سوريون يعرفون التعامل الإيجابي، مع الكبير والصغير والقريب والبعيد والمخالف والموافق، فأنا لا أشعر بالخطر من هذا الأمر، أنا أشعر بالخطر من الأيدي التي تشعل النار في كل لحظة، ومن الأفكار المتطرفة التي لم تنبت بين السوريين، ولكن بسبب الغرباء الذين أتوا بحجة دعم الشعب السوري، وقد خرّبوا أكثر مما أصلحوا، وأساؤوا أكثر من ما أرادوا الفائدة، وانسحابهم جميعاً سواء كانوا من طرف الثورة، أو طرف النظام، هو أكبر ضمانة كي لا يحصل المزيد من الفوضى في سوريا.
* قلتَ: إن اللعنة ستحل على كل العالم، إن تركتم الثورة السورية وحدها. ماذا تقصد بذلك، وهل حلت اللعنة أم لا؟
ـ ليس بعد، فسوريا بالذات كبقعة جغرافية سياسية، بقعة خطيرة جداً، والأيدي التي امتدت إليها من دون أن تعرف حقها وماهيتها، كانت مثل أيدي الأطفال التي تلعب بالألغام، وهؤلاء الأطفال قد سحبوا مسمار الأمان، وسينفجر بهم لاحقاً، ما يجري حتى الآن ـ إن لم يوجد له حل ـ سيكون مقدمة لأشياء لا تخطر على بال أحد، وتفجر المنطقة كلها، وربما أكثر من المنطقة.
رابط اللقاء: http://www.al-sharq.com