حاوره - مصطفى محمد
رأى أحمد معاذ الخطيب في المفاوضات المزمعة بين المعارضة والنظام “فرصة أخيرة” لوقف شلالات الدم السوري. وخلال حواره الخاص بـ”صدى الشام”، حمل أول رئيس للائتلاف الوطني ما وصفهم بـ”مجموعات حزبية مرتبطة بأجندات إقليمية” مسؤولية التدهور الحاصل في جسد الائتلاف، وقال إن “مجرد الانتساب إلى أي جسم معارض لا يعطي صاحبه الحصانة من تقييم أدائه”. وفي سياق آخر، حذر الخطيب من تصاعد الحديث عن “الفيدرالية”، مختتماً حديثه بالتعبير عن سعادته بعودة المظاهرات السلمية إلى المدن المحررة.
فيما يلي النص الكامل للحوار المطول الذي أجرته “صدى الشام” مع الخطيب.
– هل أنت مع الذهاب إلى المفاوضات حتى لو كانت مخرجاتها قد تفضي إلى بقاء الأسد على رأس السلطة، ولو لمرحلة قصيرة؟
المفاوضات فرصة أخيرة لوقف شلالات الدم، ومخرجاتها ستؤدي إلى رحيل الأسد بالتأكيد إذا تمت بمهارات عالية، وإدراك لكيفية إدارة المسألة. أما فترة بقاء الأسد لفترة فهو موضوع فني ويتم بالتوافق، ولكن نتيجته ستكون رحيله.
– بالمقابل، ما هي توقعاتكم لمخرجات المفاوضات المزمعة بين المعارضة والنظام؟
المطلوب هو التفاوض المباشر توفيرا في الوقت والجهد. وتوقعاتي له أن يبدأ بطيئاً ومفعما بروح التحدي من الطرفين والصلف من النظام، ريثما يدرك الطرفان ضرورة تدوير كثير من زواياه. وكما قلتُ سابقاً، إن هناك إرادة دولية في إنجاحه، وهذه فرصة علينا أن نجعلها تحت قاطرة إرادة وطنية، تؤدي إلى إنهاء معاناة شعبنا.
– هل من المحتمل أن نرى عودة قريبة للشيخ معاذ إلى العمل السياسي؟
لم أنظر يوماً للعمل السياسي كهدف، بل أعتبره مركباً نستقله لخدمة بلدنا. وعندما يكون هناك ضرورة لاستخدامه، فيجب أن نفعل. لذلك، فإن سؤالك يرتبط جوابه بالظرف والحاجة إلى الفعل، وليس مجرد الإرادة الخاصة.
– رشح للإعلام أحاديث مفادها أنه من المحتمل أن يتم اختياركم على رأس المرحلة الانتقالية، وما قوى من حضورها رسالتكم المصورة الأخيرة؟ ما مدى صحة ذلك، وماذا عن مصطلح “عقلاء النظام” الذي أطلقته؟
لست ممن يسعون إلى ذلك، وإذا تم الأمر بإرادة سورية فسأشاور أكبر طيف من القوى المدنية (رأس مالنا الأول)، ثم السياسية والعسكرية. وهناك معايير لاختيار الأشخاص سواء أكانوا من النظام أو المعارضة، وما أطلقتهُ يوماً من مصطلح “عقلاء النظام” ما يزال مفتاحاً ويمكن أن يستفاد منه مع “حكماء المعارضة” لمرحلة انتقالية تكون بداية طريق تستعيد سورية من خلاله عافيتها.
– في تصريح إعلامي لك قلت “أن كلمة الوحدة الوطنية” تستخدم لدفن ملفات لا يمكن دفنها دون البت فيها، نريد توضيحا أكثر حول هذه الملفات، وطبيعة البت فيها؟
نعم، فقد تعودنا على كلمات فضفاضة مؤداها ابتلاع الحقوق أو تمييع الأمور. فكلمة الوحدة الوطنية لا يجوز بحال أن تكون جسراً للنظام لإعادة إنتاج نفسه، ولا يجوز أبداً أن تكون لطي ملفات من ولغوا في الدماء وأعطوا الأوامر بقتل المدنيين أو اغتصاب النساء، وتدمير البنية التحتية لسورية، أو نهب أموالها. أما الحكم الانتقالي فهو بنية جديدة تقوم على تفاهمات وطنية لوضع تشاركي يضع الأمور في نصابها ويحقق العدالة الانتقالية التي تعتبر مطلبا أساسيا في الاستقرار المدني والسياسي.
– يقول البعض بأن “الفيدرالية” باتت واقعاً ملموساً، هل تشاركهم في هذه الرؤية؟ وبرأيكم لماذا قبل السيد هيثم مناع بمنصب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي؟
ليست الفيديرالية هي الحل الأسهل، والحق أن هناك تجييش إعلامي لها. الحقوق القومية والثقافية أمر ننادي به للجميع من قبل الثورة، ولكن هناك من يدفع بعض القوى السياسية إلى الواجهة ويتحدث عن أنها تريد الفيديرالية، ويتم تطييف هذا الأمر على الصعيد الشعبي وفي وسائل التواصل الاجتماعي للتسبب في احتقان اجتماعي يساعد بعض القوى في تحقيق مآربها. والأمر الثاني أن انتزاع الفيديرالية بالقوة اليوم ستتكون من ورائه نزاعات لا تنتهي. وما يُرسم بالدم ستحاوطه بُرك الدم لفترة طويلة.
إن انتزاع الفيديرالية بالقوة اليوم ستتكون من ورائه نزاعات لا تنتهي. وما يُرسم بالدم ستحاوطه بُرك الدم لفترة طويلة.
ثالثاً: هناك صراع دولي تحتي حول هذا الموضوع، فبينما تشجع عليه دول أوروبية، يتعامل معه الأمريكان بطريقة غامضة لها عدة طوابق، ويشاركهم الروس في ذلك بعدما كان لهم موقف معارض. وما زلت أعتقد أن أي مشروع لإعطاء أحد ما يعتقد أنه حق له يجب أن يكون ضمن تفاهمات وطنية، درءاً لنزاعات طويلة تحقق مصالح استراتيجية لبعض الدول أكثر مما ستقدمه من استقرار لبعض الجهات المطالبة به.
– وماذا عن هيثم مناع، ورئاسته لمجلس سوريا الديمقراطية؟
يمكن فهم ذلك من خلال متابعة تاريخ الرجل وطموحاته وانتقالاته السياسية.
– كيف تقيّمون التغيرات الأخيرة التي شهدتها قيادة الائتلاف، وماذا عن الخلافات التي رشحت للإعلام، من انسحاب كتل وغيرها، وما مرد هذا من منظورك الشخصي؟
السؤال محرج لأن المآلات الحالية مرتبطة ببداية وجود الائتلاف الذي سيطرت عليه منذ بداياته مجموعات حزبية ذات ارتباطات إقليمية، وحاولت تغطية نفسها بأسماء بعض المستقلين الذين ابتعد أكثرهم بسبب ذلك، من رئيس الائتلاف نفسه الى الرئيس الأسبق للمجلس الوطني (د. غليون)، إلى الناطق الرسمي (د. صافي)، إلى د. بكار ود. البني، وغيرهم.
المآلات الحالية للائتلاف السوري مرتبطة ببداية وجوده حيث الذي سيطرت عليه منذ تشكّله مجموعات حزبية ذات ارتباطات إقليمية
تلك المجموعات الحزبية أنهكت الائتلاف بصراعاتها التي لا تنتهي وعقليتها الجدلية العقيمة، بل بانتهازية بعض أفرادها غير المسبوقة. وبقي بعض الإخوة يحاولون إنقاذ هذا المركب من الغرق، فيصطدمون بالبعض أحياناً، ويجدون ثغرات يحاولون النفاذ منها أحياناً أخرى. ورغم المرارة التي يشعر بها الكثيرون، إلا أن تقدم بعض الأسماء المستقلة يعطي نوعاً من الأمل بإمكانية إنقاذ ما، ويجب أن يساهم من يقدر على إنجاحه، وهي فرصة أخيرة رجاؤنا لها النجاح والتوفيق.
– من منظورك الشخصي، إلى ماذا يعزى سبب ضعف المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، وأين أخطأت برأيك؟
المصالح الضيقة والحزبية والذاتية والانكسار لمطالب الدول الإقليمية أوجد حالات من التشرذم المعيب. ويكفي أنه السوريين يكادون لا يجتمعون على مشروع ما إلا إذا كان تحت رعاية دولة ما. كما كان مؤلماً جداً أن ما يقارب مائة فصيل لم تستطع أن تتوحد على موقف خلال خمس سنوات، إلى أن أتت عصا بعض الدول الكبرى فخرجوا بموقف موحد!
– لكن بالمقابل أين أصابت؟
الضعف السابق لا يمكن النظر إليه كقدر لا يمكن دفعه، والوعي عند شريحة واسعة من السياسيين والعسكريين يكبح إساءات الكثيرين. كما أن هذه الثورة كانت كاشفة فاضحة، فلم يبق أحد إلا رفعته أو خفضته وردته إلى ما يقارب حجمه الحقيقي. وهناك صلابة وطنية في أعماق المعارضة السياسية والعسكرية ازدادت صلابة بالحراك المدني الذي رد الروح إلى كل شعب سورية.
– “من الأفضل لمستقبل البلاد أن يبتعد عن طريق السوريين أغلب قيادات المعارضة، والنظام”، وهنا أنا أنقل عنك، نريد توضيحا أكثر. وألا ترى أنك تساوي هنا بين المعارضة والنظام على حد سواء؟
سأكون صريحاً لأقول إن مجرد الانتساب إلى أي جسم معارض لا يعطي صاحبه الحصانة من تقييم أدائه. أنا لا أساوي بين الطرفين، فالنظام الذي يُجرم بحق شعبه لا يمكن مساواته بثورة قامت لحرية الشعب. وقد فتح النظام الأبواب ابتداء لتدخل أصابع كثيرة في سورية، ولكن هناك أيضاً بعض المتمترسين وراء اسم المعارضة أساؤوا كأشخاص، أو جهات حزبية، أو ارتبطوا بأطراف تآمرت على بلدهم. وابتعاد هؤلاء وهؤلاء عن المشهد بغض النظر عن حجم ما فعلوه، سيفسح الطريق لمستقبل سوري مناسب، وطبعاً سيكون من ضمنه ابتعاد أكثر قيادات النظام الأمنية والسياسية.
لا يمكن لأي طرح طائفي أن يحمل خيراً لأحد، وهو يزيد المنطقة دماء وكراهية وتشظياً
– ما يجري في المنطقة من قتال طائفي، هل يخدم القضية السورية، أم يزيدها تعقيداً؟ وما هو الحل للتخفيف من حدة الانقسام الطائفي؟ وما مدى حاجتنا إلى سماع أصوات معتدلة؟
لا يمكن لأي طرح طائفي أن يحمل خيراً لأحد، وهو يزيد المنطقة دماء وكراهية وتشظياً. ما يزال لدى شعبنا حد من الوعي يجب زيادته بكل السبل، للخروج التدريجي من المنزلق الطائفي، الذي لا تبالي بعض الدول بزج الشعب السوري كله فيه لتصفية حساباتها مع بعضها.
– برأيكم من المسؤول أكثر عن إثارة النعرات الطائفية في المنطقة؟
هناك ضيق أفق قد يشمل كثيرين يساهمون بشكل ما في الحقن الطائفي. وكان للنظام نصيب كبير في ذلك ظنّاً منه أن الأمر سيكون لصالحه، وقد فشل بالعموم في ذلك. كما ساهمت بعض المجموعات في طروحات بثت خطاب كراهية، وتم استثمار هذه النواتج من قبل دول إقليمية للدفع بأجنداتها. ورغم الخسائر التي دفعها شعب سورية من دمه، إلا أن الخط السلمي يعيد إنتاج الهوية الوطنية رغم ما أصابها من أذى، وسيتجاوز الجراح الطائفية، والتي أعترف بأنها لن تلتئم بسرعة.
الخط السلمي يعيد إنتاج الهوية الوطنية رغم ما أصابها من أذى، وسيتجاوز الجراح الطائفية، والتي أعترف بأنها لن تلتئم بسرعة
– ماذا عن إعلان “حزب الله” منظمة ارهابية؟
حزب الله خسر رصيده الهائل على كل المستويات، وذلك بوقوفه مع النظام واضعاً في الواجهة بعض المبررات غير المقبولة، بل مفرطة الغرائبية. وما قام به أفراده دعما للنظام ضد الشعب السوري وتوقه إلى الحرية، هو إرهاب موصوف ضد كل شعب سورية. وقد حصد الحزب بيديه ما زرعه من الوقوف مع نظام الجريمة والدم ضد شعب سينال حريته مهما طال الطريق.
عودة المظاهرات السلمية هي درس لنا جميعاً أن العمل السلمي هو الذي يجب أن يكون القائد والمحرك لكل الأعمال والجهود الأخرى.
– اليوم نشاهد عودة للتظاهرات السلمية. السؤال هنا هل المظاهرات السلمية قادرة على تصحيح المسار، وهل ستعيد الصوت الحقيقي للثورة السورية؟
المظاهرات السلمية في سورية هي ظاهرة حضارية ومدنية غير مسبوقة، وهي نجاح للمنهج السلمي الذي أتبناه وأعتقد شخصياً أنه أقوى من أي سلاح، ولكن نتائجه لا تظهر بشكل مباشر. ومنذ نادينا مع أهلنا بالسلمية في عزاء أول كوكبة شهداء في دوما بداية عام ٢٠١١، لم تتغير القناعة بذلك رغم ما واجهناه من تشكيك. ومما يعطي المصداقية لهذا المنهج أنه حتى الفصائل العسكرية تنفست الصعداء وأحست أن تضحيات الشهداء وأنات المعذبين لم تضع سدى، وها هي السلمية تنقذ الثورة كلها بعد أن بلغت القلوب الحناجر. هي درس لنا جميعاً أن العمل السلمي هو الذي يجب أن يكون القائد والمحرك لكل الأعمال والجهود الأخرى.
رابط اللقاء: http://sadaalshaam.net