يَصعبُ على العقل في عصر الجنون البشري، والوحشية اللامعقولة لبني البشر أن يعي أو يعقل أو يفكر بهدوء، ولكن رغم كل التشويش الإجرامي سأتطرق لما أراه المشكلة والحل معاً وهي “الحرية” في بلاد العالم العربي و الإسلامي، فأرجو من القارئ الكريم أن يصبر معي حتى نستوضح حقيقة واقع الأمة والذي اختصره معظم المفكرين بسؤال “لماذا تقدّم العالم وتخلّف المسلمون؟”
تخلف أية أمة يعني أن تكون الأمة مجردة من كل القوى الأرضية المادية الاقتصادية والسياسية والعلمية على الإجمال، ومن المنطقي أن الأمة المتخلفة بالضرورة بلا هيبة، وتقوم الأمم بالتكالب عليها “كما تداعى الأكلةُ على قصعتها” قال عليه الصلاة والسلام ” يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم…” سنن أبي داود4297 إذاً بالضرورة أن الأمة التي ترضى التخلف، وترضى الظلم داخل الوطن، وترضى بالذلّ على يد الحاكم “الوطني” فسترضاه على يد غيره لأنها وبالتدريج تلبّست أبنائها “نفسية العبيد” وهي ستحرم من ميزة أصحاب الرسالات السماوية الأحرار فلن تُنصر بالرعب مسيرة شهر كما جاء على لسان المصطفى “أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرتُ بالرعب مسيرة شهر….”البخاري
وردت مفردة “عَبد” بكل تصريفاتها في القرآن الكريم 140 مرة، كُلُها تعني أن يخصّ الإنسان الخالق الواحد بالعبادة دون شريك في العبادة، وتأمر الناس كما جاء على لسان الصحابي الجليل ربعي بن عامر وبعبقرية بلاغيّة”إخراج العباد من عبادة العباد لعبادة ربّ العباد”، ولما بدأت الدعوة الإسلامية لم يقبل الرعيل الأول من الصحابة أن يضموا إليهم بلال رضي الله عنه إلا بعد تحريره، لأن التحرير والنهوض بالدعوة لايتم إلا على يد الأحرار، ولكن عبر التاريخ تجرأ أشخاص بكل وقاحة وحماقة على “مزاحمة” الخالق في مسألة العبودية، وهم من “المدرسة الفرعونية” التي لاتُريد أن يرى شعبها إلا ماترى بدعوى الإلهام والرشاد “قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرشاد” غافر 29
وعلى اعتبار أن هؤلاء الأرباب حسِبوا أن الشعوب عبيدٌ لهم، ويملكون رقَبتَهم، تمثّلوا قول فرعون “أنا ربكمُ الأعلى”النازعات 24 بمعنى أن الحاكم هو الذي يتفضل على الشعب “العبيد” فيرزقهم فيعطيهم حصة من خيرات الوطن، ويمنحهم بركة التقرب منه للأكثر “تعبداً” له، ويعطي الأمن لمن يطيعه، ويؤدِّب ويسحق ويُبدد ويبيد أي حرٍّ يعتبر أن من حقّه أن يعبّر عن رأيه، أو يعتقد أن القصاص من الظالم أمرٌ مشروع مهما كانت مرتبة ذلك الظالم “العسكرية” أو “الحكومية”، والويل لمن يطرح السؤال الرهيب على “المنعِم المتفضِل” : ماهي أحقية هذا الحاكم في الحكم؟ أو لماذا لايحكم فُضلاء القوم الأحرار؟ ولماذا يجب أن يستجيب شعب “العبيد” لحكم الطاغية؟ ولماذا يطيعونه أصلاً إذا كان قد وصل إلى الحُكم بالحديد والنار ولايمثل إرادة الأحرار؟ ولماذا يقبلوا أن يموت فيهم الأحرار يوماً بعد يوم حتى يموت فيهم معنى “الحرية”؟ ولماذا عليهم أن يكونوا عبيداً وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارً؟ ولماذا هذا “الطاغية” “لايُسأل عما يفعل وهم يسألون”الأنبياء 23؟
أسئلة كثيرة لايسألها سوى عشاق الحرية من أتباع الأنبياء، وقد ذكّر عيسى عليه السلام شعبه بعبوديتهم وناداهم ليتحرروا لأن فرعون يسومهم سوء العذاب كالعبيد “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ” سورة إبراهيم 6 فعجينة الطغاة “الفراعنة” واحدة في اعتبار “حِلّية” دماء النساء وتشريد وقتل الأبناء.
الحل إذن يبدأ أولاً بنيل الشعب حريته داخل وطنه، ولايقبل بأقل من أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ولايرضى الذل من “الحاكم بأمره” وينبذ “الوصوليين” الذين يريقوا شرفهم وحريتهم أمام “الطاغية” للوصول إلى مكاسب “تافهة”.
الحلّ إذن أن نحرر أنفسنا من “العبودية” وكل ماعلقَ بنا من “نفسية العبيد” وأن نتخلص من مرض الخوف من الطغاة “قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا” طه 72، وقبل أن يطلب الشعب العربي والمسلم الحرية لأخوته خارج وطنه عليه أن يتمتع بها داخل بلده، لأن الحرّ لايرضى سوى الحرية لغيره من بني البشر.
مهمة الشعب من وجهة نظر الحاكم “الطاغية” هي عبادة شخصه، ولو كلفّه أن يحرق “الوطن” بأبنائه وأن ينهب ثرواته، وهذا لايتم إلا بترويض الأحرار وإعادتهم لاسطبلات “العبودية” كما تُروّض الخيول الحرة الأصيلة في الإسطبلات، حتى يُصبح الشعب مجموعة عبيد.
السؤال إذاً لماذا يعشق “الطاغية” نفسية العبيد؟ لأنها ببساطة:
1- مِطواعة 2- تفعل ماتُؤمر دون سؤال عن أحقية الأفعال السياسية والاقتصادية والدينية للحاكم
3- تهاب سطوة الحاكم 4- مكسورة من الداخل 5- تُقدّس صاحبها 6- تأتمر بأمره
7- تكون أداة في يد صاحبها يُسلّطها كيف يشاء ولو كان قتل الشعب نفسه وتجويعهم وجعلهم يسكنون المقابر ويشحذون رغيف الخبز 8- ليس لها مستقبل ولاتطلعات لاشخصية ولا “وطنية” ولا “أممية” وآخر مايفكرون به هو مقارنة دولهم المتخلفة بماتنعم به الدول المتقدمة من حرية ومساواة في توزيع الثروات لأنهم مجرد 9 - لاتريد أن تضع سياسات “الوطن” وليس لهم ممثلين يعبروا عن تطلعاتهم في الحرية لأنهم مجرد “عبيد” 10 – يرضون بسجن أخوتهم وتعذيبهم بل وقتلهم وقتل الأحرار…..وبالتالي قتل روح “الحرية” لدى الأحرار…..
هناك دروس مستفادة من بشاعة الظلم وتصرفات أهله الحمقاء، والتاريخ يسعفنا بنماذج من الإذلال والتنكيل بهذه الأمة مايعجز عنه الوصف فضلاً عن التصديق ولكن التاريخ يُخبرنا أيضاً أن الأحرار في تاريخنا هم الذين يقع على عاتقهم تحرير “العبيد”، والتخلص من “نفسية العبيد”، أو تحرير “المستعبدين” أو “المُبعدين” أو الذين استمرؤوا نفسية “العبيد” فلا يأتمرون إلا بالعصا والقوة، وأبو الطيب المتنبي عبّر عن هذا:
لاتشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد أنجاسٌ مناكيدُ
هؤلاء العبيد يُقادوا بأجهزة أمنية جهنمية لاعلاقة لها بإنسانية الإنسان، ولاحتى وحشية الحيوان لأن الحيوان المفترس لايتسلى بتعذيب فريسته ولكنه ينقضّ بسبب الدافع الغريزي للغذاء ولا يهجم على غزال مثلاً فيعذبه سنوات ثم يأكله ثم يقتل كل أهله ثم يشردهم، ثم يدمر منزلهم ومنزل كل مؤيديهم….لقد تجاوزت وحشية القوات الأمنية في البلدان العربية والإسلامية حدود المعقول وحتى “اللامعقول” في ترويض الأحرار، فلا عجب أن يعاملنا الأعداء أننا مجموعة قطيع وبمثل الأدوات التي يُعاملنا بها أسيادنا، كل مافي الأمر أن سلطان العدو هو الذي يذبح أبنائنا وليس من يملك رقبتنا!!
الطريف في الأمر أن منظمة المؤتمر الإسلامي المؤلفة من سبع وخمسين دولة إسلامية أُسّست في يوم 25 سبتمبر عام 1969 وذلك عقب أكثر من شهر من حريق الأقصى 21 أغسطس من نفس العام بهدف واحد هو…………..تحرير القدس!!! واختيرت جدّة مقر للمنظمة كمقر مؤقت بانتظار تحرير القدس حيث سيكون المقر الدائم!!!!!طبعاً لازالوا في المقر المؤقت منذ أربعين سنة يستعدّون للانتقال للمقر الدائم في القدس!!
الجدير بالذكر أن هذه المنظمة مؤلفة من ثلاث أجسام رئيسية: 1- مؤتمر الملوك والرؤساء 2- مؤتمر وزراء الخارجية 3- السكرتارية العامة!!!! أليس من المنطقي أن يكون هناك مؤتمر لوزراء الدفاع كي تُدافع عن الدول السبع والخمسون ومن أجل حراسة وحماية “الأحرار” في تلك الدول على طريقة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي أسس 1949 في واشنطن؟
المستغرب أن تكون هناك تركيا التي هي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي - والدكتور أكمل أوغلي التركي الأصل أمينها العام - هي عضو في حلف الناتو، ولم يخطر ببالها أن تؤسس الحلف العسكري المشابه لمنظمة المؤتمر الإسلامي..؟؟ بل وهناك حلفاء رئيسيين خارج الناتو (مايجور نون ناتو ألّاي) وهو تعيين يقدمه حلف الناتو أو الحكومة الأمريكية للدول الذين لهم علاقات قوية لكنهم ليسوا أعضاء في هذا الحلف ومنهم: مصر والأردن والكويت والبحرين والمغرب وباكستان من الدول الإسلامية….ألم يخطر في بال “زعامات” تلك الدول العضو في منظمة المؤتمر الإسلامي أن تؤسس لحلف عسكري مشابه بدل الالتحاق بتحالف ملحق وغير أصيل مع حلف الناتو؟ أليست منظمة المؤتمر الإسلامي أولى؟……فقط لإحتمال أن يأتي يوم ويحتاج العالم الإسلامي لتلك الجيوش لردّ عدوان عن كرامة الأمة وهيبتها.؟؟؟
ألم يطرح أحد من أعضاء “لجنة القدس” التابعة للمنظمة فكرة أن يُضاف اجتماع لوزراء الدفاع في العالم الإسلامي من أجل صيانة هيبة الأمة؟ الجواب للأسف بالنفي ولسبب بسيط هو أنه لاتوجد في العالم الإسلامي الذين تجاوز تعداد سكانهم مليار وثلاثمائة مليون -حسب المؤشرات الدولية للحرية- سوى خمس دول إسلامية تتمتع بالحرية (وليس من بينها دولة عربية واحدة!) ونادر مايعبّر هؤلاء عن آمال وطموحات شعوبهم، ويحتل هذا “الغثاء” المُروّض –اللهم إلا بعض الأحرار في السجون وخارج الوطن أو قيد الملاحقة – من عبيد “الحاكم بأمره” ربع مساحة الكرة الأرضية.
لم تستطع الجحافل البشرية في العالم الإسلامي بكل أسلحتها وجيوشها وعتادها الذي دُفع من عرق الشعوب الإسلامية وثرواتها أن تُناصر الجزء الأهم من جسدهم “الأممي” حسب المفهوم “الإسلامي” للمسلمين الأحرار “كالجسد الواحد” فلم يستطع بعض “العبيد” في الدول الإسلامية حتى التعبير عن رأيهم فيما يحدث في أولى القبلتين وثاني الحرمين، وقد أتاهم “البيان الفرعوني” بالسماح بالندب واللطم الفردي فقط ولأنها تؤذي مشاعر الحضرة “العَليِّة” وقد تزعزع “العرش” فيما بعد، وهذا أمر حقيقي لأن الشعب متى ذاق معنى “الحرية” مرة فستكون دونها روحَه ولن يسمح لأحد بأخذه لإسطبلات العبيد مرة أخرى وسيصعب بعدها ترويضه.
الأنكى من ذلك أن يقوم البعض من البطانة “المعممة” لتقول لنا باسم “الله” أطيعوا “ولي الأمر” دون أن يذكّرونا بوقوف فقهاء الأمة من الأحرار بوجه “أولياء الأمور الطغاة” بكل إباء من أجل أن يقولوا الحق في وجه السلطان الجائر، وهذا طبعاً تطوع منهم لترويض الأحرار، وخشية “الفتنة” !!وكأن هناك فتنة أكبر من ضياع ثروات الأمة وتشريد وقتل أهلها وتكميم أفواه العقلاء منهم، ويتناسون أن الرجل يكون في ظل الرحمن يوم لاظلّ إلا ظله لو أنه تبوّحَ ب”كلمة حقّ عند سلطان جائر”.
المستغرب مثلاً أن الإنفاق العسكري لدولة مثل مصر رغم توقيعها معاهدة “السلام” ازداد –حسب معهد الأبحاث الدولي السلام في استوكهلم- من 4 مليارات جنيه عام 1988 إلى 18 مليار جنيه عام 2007، فلماذا هذه الزيادة؟ ومن هو “العدو” الذي تُعدّ له أرض الكنانة العدة لمواجهته؟ ومتى؟
الأسئلة لماذا؟ ومتى؟ وأين؟ ستتكرر بالنسبة لكل الأنظمة في العالم العربي والإسلامي المخصصة لا لتحرير الأوطان بل لترويض وترويع الأحرار من أجل تمتين دعائم الحكم “العضوض”؟
إذن بيد من مقاليد هذا الشعب الذي كان “لايأبى الضيم” كالأحرار؟كم حاكم في الدول العربية والإسلامية انتخبه شعبه “الحرّ” ويعبر حقاً عن مطالب الشعب في السياسة والاقتصاد والدين ويحترم حريتهم؟ ليس من المستغرب إذاً أن تكون اجتماعات القمة العربية هي بمثابة اجتماع “للقمم” السياسية فقط لاعلاقة للشعب بها لأن رأس السلطة مفصولٌ عن جسدها فمحنة هذه الأمة هي أن “الدولة ضد الأمة” كما لخّصها الدكتور برهان غليون.
إن صوت عبد الرحمن الكواكبي في “طبائع الإستبداد” منذ أكثر من قرن لازال يُدّوي حتى يستعيد الأحرار حريتهم….وحاشى أن يكون الحُرّ كالعبد، ف”الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد” كما ورد في الخطاب القرآني.
أسمح لنفسي بالطلب من كل الأحرار الذين يعبّرون عن رأيهم في العالم الإسلامي والعربي أن يطالبوا منظمة المؤتمر الإسلامي بتأسيس حلف عسكري ليحميهم من “الهمج” القادمين من الخارج، ولاينسوا أن يطلبوا الحرية في بلادهم في الداخل ضمن المسيرات الغاضبة تعاطفاً مع فلذات أكبادنا في فلسطين رافعين شعار: نريد وطناً يحترمُ الأحرار…ويُحكَمُ بالأخيار.
مقالة للأستاذ أسامة القاضي ، نقلاً عن :
http://almultaka.net/ShowMaqal.php?module=6800a6662d770a58f055f319bcd8e3d5&cat=9&id=
636&m=24946c712c12c38508eabd0f66f2d064